(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) ، يقيموا ويكونوا ، (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) ، قرأ حمزة وحفص ويعقوب : (ثمود) غير منوّن ، وكذلك في سورة الفرقان [٣٨] والعنكبوت [٣٨] والنجم [٥١] ، ووافق أبو بكر في النجم ، وقرأ الباقون بالتنوين ، وقرأ الكسائي : (لِثَمُودَ) بخفض الدال والتنوين ، والباقون بنصب الدال ، فمن جرّه فلأنه اسم مذكر ، ومن لم يجرّه جعله اسما للقبيلة.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) ، أراد بالرسل الملائكة عليهمالسلام. واختلفوا في عددهم ، فقال ابن عباس وعطاء : كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقال الضحاك : كانوا تسعة. وقال مقاتل : كانوا اثني عشر ملكا. وقال محمد بن كعب : كان جبريل ومعه سبعة. وقال السدي : كانوا أحد عشر ملكا على صورة الغلمان الوضاء الوجوه (١) ، (بِالْبُشْرى) بالبشرى بالبشارة بإسحاق ويعقوب. وقيل : بإهلاك قوم لوط. (قالُوا سَلاماً) ، أي : سلّموا سلاما ، (قالَ) إبراهيم : (سَلامٌ) أي : عليكم السلام ، وقيل : هو رفع على الحكاية كقوله تعالى : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) [البقرة : ٥٨]. وقرأ حمزة والكسائي (سَلامٌ) هنا وفي سورة الذاريات [٢٥] بكسر السين بلا ألف. قيل : هو بمعنى السلام.
كما يقال : حل وحلال وحرم وحرام. وقيل : هو بمعنى الصلح ، أي : نحن سلم أي صلح لكم غير حرب. (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) ، والحنيذ المحنوذ وهو المشوي على الحجارة في خدّ من الأرض ، وكان سمينا يسيل دسما ، كما قال في موضع آخر : (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) [الذاريات : ٢٦] ، قال قتادة : كان عامّة مال إبراهيم [عليه الصّلاة والسّلام](٢) البقر.
(فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ) ، أي : إلى العجل ، (نَكِرَهُمْ) ، أنكرهم ، (وَأَوْجَسَ) ، أضمر ، (مِنْهُمْ خِيفَةً) ، خوفا. قال مقاتل : وقع في قلبه ، وأصل الوجس (٣) : الدخول ، كان الخوف دخل قلبه.
قال قتادة : وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وإنما جاء بشر. (قالُوا لا تَخَفْ) ، يا إبراهيم ، (إِنَّا) ملائكة الله (أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ).
(وَامْرَأَتُهُ) ، سارة بنت هاران بن ناحور (٤) وهي ابنة عم إبراهيم ، (قائِمَةٌ) من وراء الستر تسمع كلامهم. وقيل : كانت قائمة تخدم الرسل وإبراهيم جالس معهم. (فَضَحِكَتْ) ، قال مجاهد وعكرمة : ضحكت ، أي : حاضت في الوقت ، تقول العرب : ضحكت الأرنب ، أي : حاضت. والأكثرون على أن المراد منه الضحك [المعلوم](٥) المعروف. واختلفوا في سبب ضحكها ، فقيل : ضحكت لزوال الخوف عنها وعن إبراهيم حين (قالُوا لا تَخَفْ).
قال السدي : لما قرّب إبراهيم الطعام إليهم فلم يأكلوا خاف إبراهيم [منهم](٦) وظنّهم لصوصا فقال لهم : ألا تأكلون؟ قالوا : إنّا لا نأكل طعاما إلّا بثمن ، قال إبراهيم : فإن له ثمنا ، قالوا : وما ثمنه؟ قال : تذكرون اسم الله على أوّله وتحمدونه على آخره ، فنظر جبريل إلى ميكائيل عليهم الصلاة والسلام ، وقال : حقّ لهذا أن يتّخذه ربّه خليلا ، فلما رأى إبراهيم وسارّة أيديهم لا تصل إليه ضحكت سارة ، وقالت : يا عجبا لأضيافنا إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون [من](٧) طعامنا.
__________________
(١) في المطبوع وط «وجوههم».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «الوجوس».
(٤) في المطبوع «أحور».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.