تزيدونني غير بصارة في خسارتكم. قال الحسين بن الفضل : لم يكن صالح عليهالسلام في خسارة حتى قال فما تزيدونني غير تخسير ، وإنما المعنى ما تزيدونني بما تقولون من الفحش إلا نسبتي إيّاكم إلى الخسارة ، والتفسيق والتفجير في اللغة هو : النسبة إلى الفسق والفجور ، وكذلك التخسير هو : النسبة إلى الخسران.
(وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧))
(وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) ، نصب على الحال والقطع ، وذلك أن قومه (١) طلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من هذه الصخرة ، وأشاروا إلى صخرة فدعا صالح عليهالسلام فخرجت منها ناقة وولدت في الحال ولدا مثلها ، وقد بيّناه في سورة الأعراف ، فهذا معنى قوله : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) ، من العشب والنبات فليست عليكم مئونتها ، (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) ، ولا تصيبوها بعقر ، (فَيَأْخُذَكُمْ) ، إن قتلتموها ، (عَذابٌ قَرِيبٌ).
(فَعَقَرُوها فَقالَ) لهم صالح : (تَمَتَّعُوا) ، عيشوا ، (فِي دارِكُمْ) ، أي : في دياركم ، (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ، ثم تهلكون ، (ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) ، أي : غير كذب. روي أنه قال لهم : يأتيكم العذاب بعد ثلاثة أيام فتصبحون اليوم الأول ووجوهكم مصفرّة ، وفي اليوم الثاني محمرّة ، وفي اليوم الثالث مسودة ، فكان كما قال ، فأتاهم العذاب اليوم الرابع.
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) ، بنعمة منّا ، (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) ، أي : من عذابه وهوانه (٢) ، قرأ أبو جعفر ونافع والكسائي : (خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) ، و (عَذابِ يَوْمِئِذٍ) [المعارج : ١١] ، بفتح الميم. وقرأ الباقون بالكسر. (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ).
(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، كفروا ، (الصَّيْحَةُ) ، وذلك أنّ جبريل عليهالسلام صاح (٣) صيحة واحدة فهلكوا جميعا. وقيل : أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض ، فتقطّعت قلوبهم في صدورهم. وإنما قال : (وَأَخَذَ) والصيحة مؤنثة ، لأن الصيحة بمعنى الصياح. (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) ، صرعى هلكى.
(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨) وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١))
__________________
(١) في المطبوع «قوما».
(٢) تصحف في المطبوع «هو أنه».
(٣) زيد في المطبوع وط «عليهم».