بينهم يتعاطون الإنصاف ولا يظلم بعضهم بعضا ، وإنما يهلكهم إذا تظالموا. وقيل : لا يهلكهم بظلم منه وهم مصلحون في أعمالهم ، ولكن يهلكهم بكفرهم وركوبهم السيّئات.
قوله عزوجل : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ) ، كلّهم ، (أُمَّةً واحِدَةً) ، على دين واحد ، (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) ، على أديان شتى من بين يهودي ونصراني ومجوسي ومشرك [ومسلم](١).
(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ، معناه : لكن من رحم ربك فهداهم إلى الحق ، فهم لا يختلفون ، (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) ، قال الحسن وعطاء : وللاختلاف خلقهم. وقال أشهب : سألت مالكا عن هذه الآية ، فقال : خلقهم ليكون فريق في الجنّة وفريق في السعير. وقال أبو عبيد (٢) : الذي أختاره قول من قال : خلق فريقا لرحمته وفريقا لعذابه. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : وللرحمة خلقهم ، يعني الذين رحمهم. وقال الفراء : خلق أهل الرحمة للرحمة ، وأهل الاختلاف للاختلاف. ومحصول الآية أن أهل الباطل مختلفون وأهل الحق متّفقون ، فخلق الله أهل الحق للاتفاق وأهل الباطل للاختلاف. (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) ، وتمّ حكم ربّك ، (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣))
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) ، معناه : وكل الذي تحتاج إليه من أنباء الرسل ، أي : من أخبارهم وأخبار أممهم نقصّها عليك ، (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) ، لنزيدك يقينا ونقوّي قلبك ، وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا سمعها كان في ذلك تقوية لقلبه على الصبر على أذى قومه. (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) ، قال الحسن وقتادة : في هذه الدنيا. وقال غيرهما : في هذه السورة. وهو قول الأكثرين ، خصّ هذه السورة تشريفا ، وإن كان قد جاءه الحقّ في جميع السور. (وَمَوْعِظَةٌ) ، أي : وجاءتك موعظة ، (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ).
(وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) ، أمر تهديد ووعيد ، (إِنَّا عامِلُونَ).
(وَانْتَظِرُوا) ، ما يحلّ بنا من رحمة الله ، (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ، ما يحلّ بكم من نقمة الله.
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : [علم](٣) ما غاب عن العباد فيهما ، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) ، في المعاد. قرأ نافع وحفص : (يُرْجَعُ) بضم الياء وفتح الجيم ، أي : يرد. وقرأ الآخرون بفتح الياء وكسر الجيم ، أي : يعود الأمر كلّه إليه حتى لا يكون للخلق أمر. (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) ، وثق به ، (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، قرأ أهل المدينة و [أهل](٤) الشام وحفص ويعقوب : (تَعْمَلُونَ) بالتاء هاهنا وفي آخر سورة النمل. وقرأ الآخرون بالياء فيهما. قال كعب : خاتمة التوراة خاتمة سورة هود.
[١١٧٤] أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي
__________________
[١١٧٤] ـ جيد. إسناده حسن ، محمد بن العلاء فمن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى معاوية بن هشام فإنه من رجال مسلم وحده ، وفيه ضعف لكن للحديث شواهد وطرق.
__________________
(١) زيادة عن المخطوطتين.
(٢) في المطبوع وط «عبيدة».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.