فجعلناه على خزائنها. (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) ، أي : مكّنّا له في الأرض لكي نعلمه تأويل الأحاديث ، وهي عبارة عن الرؤيا. (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) ، قيل : الهاء في أمره كناية عن الله تعالى ، يقول : إن الله غالب على أمره يفعل ما يشاء لا يغلبه شيء ولا يردّ عليه حكمه (١) رادّ. وقيل : هي راجعة إلى يوسف عليهالسلام معناه : إن الله مستول على أمر يوسف بالتدبير والحياطة لا يكله إلى أحد حتى يبلغه منتهى علمه فيه. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ، ما الله به صانع.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣))
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) ، منتهى شبابه وشدّته وقوّته ومعرفته. قال مجاهد : ثلاثا وثلاثين سنة. وقال السدي : ثلاثين سنة. وقال الضحاك : عشرين سنة. وقال الكلبي : الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة. وسئل مالك رحمهالله عن الأشد قال : هو الحلم. (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) ، فالحكم النبوّة والعلم الفقه في الدين. وقيل : حكما يعني إصابة في القول ، وعلما بتأويل الرؤيا. وقيل : الفرق بين الحكيم والعالم ، أن العالم هو الذي يعلم الأشياء والحكيم الذي يعمل بما يوجبه العلم ، (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : المؤمنين ، وعنه أيضا : المهتدين. وقال الضحاك : الصابرين على النوائب كما صبر يوسف عليهالسلام.
(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) ، يعني : امرأة العزيز. والمراودة : طلب الفعل ، والمراد هاهنا أنها دعته إلى نفسها ليواقعها ، (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) ، أي : أطبقتها وكانت سبعة ، (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) ، أي : هلمّ وأقبل ، قرأ أهل الكوفة والبصرة : (هَيْتَ لَكَ) بفتح الهاء والتاء جميعا ، وقرأ أهل المدينة والشام : «هيت» بكسر الهاء وفتح التاء ، وقرأ ابن كثير : «هيت» بفتح الهاء وضمّ التاء ، [والوجه أن في هذه الكلمة ثلاث لغات هيت وهيت وهيت والكل بمعنى هلمّ](٢) ، وقرأ السلمي وقتادة : هيئت لك بكسر الهاء وضمّ التاء مهموزا على مثال جئت ، يعني : تهيّأت لك ، وأنكره أبو عمرو [و](٣) الكسائي ، وقالا : لم يحك هذا عن العرب. والأول هو المعروف عند العرب. قال ابن مسعود رضي الله عنه : أقرأني النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (هَيْتَ لَكَ)(١) : قال أبو عبيد (٤) : كان الكسائي يقول : هي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز معناها : تعال. وقال عكرمة : هي أيضا بالحورانية هلمّ. وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية وهي كلمة حثّ وإقبال على الشيء. قال أبو عبيد : إن العرب لا تثني (هَيْتَ) ولا تجمع و [لا](٥) تؤنث وإنها بصورة واحدة في كل حال. (قالَ) يوسف لها عند ذلك : (مَعاذَ اللهِ) ، أي : أعوذ بالله وأعتصم بالله مما دعوتني إليه ، (إِنَّهُ رَبِّي) ، يريد أن زوجك قطفير سيدي (أَحْسَنَ مَثْوايَ) ، أي : أكرم منزلي هذا قول أكثر المفسّرين. وقيل : الهاء راجعة إلى الله تعالى يريد أن الله تعالى ربّي أحسن مثواي ، أي آواني ومن بلاء الجب عافاني. (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ، يعني : إن فعلت هذا فخنته في أهله بعد ما أكرم مثواي فأنا ظالم
__________________
(١) أخرجه البخاري ٤٦٩٢ والطبري ١٩٠٠٨ عن ابن مسعود قال : «هيت لك إنما نقرؤها كما علمنا» وهذا له حكم الرفع.
__________________
(١) في المطبوع «عليه حكم» بدل «حكمه».
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في النسخ والمخطوط «عبيدة» والمثبت عن الطبري و «الدر المنثور».
(٥) سقط من المطبوع.