والفأرة والكلب العقور» ، وقال سفيان بن عيينة : الكلب العقور كل سبع [يعقر](١) ، ومثله عن مالك ، وذهب أصحاب الرأي إلى وجوب الجزاء في قتل ما لا يؤكل لحمه ، من الفهد والنمر والخنزير ونحوها إلا الأعيان المذكورة في الخبر ، وقاسوا عليها الذئب فلم يوجبوا فيه الكفارة ، وقاس الشافعي عليها جميع ما لا يؤكل لحمه لأن الحديث يشتمل على أعيان بعضها سباع ضارية وبعضها هوام قاتلة وبعضها طير لا يدخل في معنى السباع ولا هي من جملة الهوام ، وإنما هي حيوان مستخبث اللحم ، وتحريم الأكل يجمع الكل فاعتبره ورتّب الحكم عليه.
(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨))
قوله عزوجل : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) ، قال مجاهد : سمّيت كعبة لتربيعها والعرب تسمّي كل بيت مربع كعبة ، قال مقاتل : سمّيت كعبة لانفرادها من البناء ، وقيل : سميت كعبة لارتفاعها من الأرض ، وأصلها من الخروج والارتفاع ، وسمّي الكعب كعبا لنتوئه ، وخروجه من جانبي القدم ، ومنه قيل للجارية إذا قاربت البلوغ وخرج ثديها : تكعّبت ، وسمّي البيت الحرام لأن الله تعالى حرّمه وعظّم حرمته.
[٨٣٨] قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تعالى حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض».
(قِياماً لِلنَّاسِ) ، قرأ ابن عامر قيما بلا ألف والآخرون قياما بالألف ، أي : قواما لهم في أمر دينهم ودنياهم ، أما الدين لأن به يقوم الحجّ والمناسك ، وأما الدنيا فيما يجبى إليه من الثمرات ، وكانوا يأمنون فيه من النهب (٢) والغارة فلا يتعرض لهم أحد في الحرم (٣) ، قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت : ٦٧] ، (وَالشَّهْرَ الْحَرامَ) ، أراد به الأشهر الحرم ، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، أراد أنه جعل الأشهر الحرم قياما للنّاس يأمنون فيها القتال ، (وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) ، أراد أنهم كانوا يأمنون بتقليد الهدي ، فذلك القوام فيه ، (ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، فإن قيل : أي اتّصال لهذا الكلام بما قبله ، قيل : أراد أن الله عزوجل جعل الكعبة قياما للنّاس لأن الله تعالى يعلم صلاح العباد كما يعلم ما في السموات وما في الأرض ، وقال الزجاج : قد سبق في هذه السورة الإخبار عن الغيوب والكشف عن الأسرار ، مثل قوله : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) [المائدة : ٤١] ، ومثل إخباره بتحريفهم الكتب ونحو ذلك ، فقوله
__________________
وفي الباب من حديث عائشة بلفظ «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الحية والغراب الأبقع والفأرة ، والكلب العقور والحدأة».
أخرجه البخاري ١٨٢٩ ومسلم ١١٩٨ والترمذي ٨٣٧ وابن ماجه ٣٠٨٧.
[٨٣٨] ـ صحيح. أخرجه البخاري ١٥٨٧ و ١٨٣٤ و ٢٧٨٣ ومسلم ١٣٥٣ وأبو داود ٢٠١٨ و ٢٤٨٠ والترمذي ١٥٩٠ والنسائي (٥ / ٢٠٣ ، ٢٠٤) و (٧ / ١٤٦) وعبد الرزاق ٩٧١٣ وأحمد (١ / ٢٢٦ و ٢٥٥ و ٣٥٩) وابن حبان ٣٧٢٠ والطبراني ١٠٩٤٤ وابن الجارود ٥٠٩ والبيهقي (٥ / ١٩٥) و (٩ / ١٦) من حديث ابن عباس بأتم منه ، ولم يذكر في بعض الروايات قوله «يوم خلق السموات والأرض» وتقدم مرارا.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) في المطبوع وحده «النهار» وهو تصحيف.
(٣) في المطبوع «الحرام».