آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ). قوله عزوجل : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ، الضالّ والمهتدي ، (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ).
[٨٥٠] سبب نزول هذه الآية ما روي أن تميم به أوس الداري وعدي بن بدّاء (١) قد خرجا من المدينة للتجارة إلى أرض الشام وهما نصرانيان ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص ، وكان مسلما فلما قدموا الشام مرض بديل ، فكتب كتابا فيه جميع ما معه من المتاع وألقاه في جوالقه ولم يخبر صاحبيه بذلك ، فلما اشتدّ وجعه أوصى إلى تميم وعدي وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله ، ومات بديل ففتشا متاعه وأخذا منه إناء من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال فضة فغيّباه ، ثم قضيا حاجتهما فانصرفا إلى المدينة فدفعا المتاع إلى أهل البيت ، ففتشوا وأصابوا الصحيفة فيها تسمية ما كان معه فجاءوا تميما وعديا فقال : هل باع صاحبنا شيئا من متاعه؟ قالا : لا ، قالوا : فهل اتّجر تجارة؟ قالا : لا ، قالوا : هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا : لا ، فقالوا : إنّا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية ما معه وإنا قد فقدنا منها إناء من فضة مموّها بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال فضّة ، قالا : ما ندري إنّما أوصى لنا بشيء فأمرنا أن ندفعه إليكم فدفعناه وما لنا علم بالإناء ، فاختصموا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأصرّا على الإنكار وحلفا ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ).
أي : ليشهد اثنان ، لفظه خبر ومعناه أمر ، وقيل : معناه : أن الشهادة فيما بينكم على الوصية عند الموت اثنان ، واختلفوا في هذين الاثنين ، فقال قوم : هما الشاهدان اللذان يشهدان على وصية الموصي ، وقال الآخرون : هما الوصيان ، لأن الآية نزلت فيهما ولأنه قال : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ) ، ولا يلزم الشاهد يمين ، وجعل الوصي اثنين تأكيد ، فعلى هذا تكون الشهادة بمعنى الحضور ؛ كقولك : شهدت وصية فلان ، بمعنى حضرت ، قال الله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور : ٢] ، يريد الحضور ، (ذَوا عَدْلٍ) ، أي : أمانة وعقل ، (مِنْكُمْ) ، أي : من أهل دينكم يا معشر المؤمنين ، (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) ، أي : من غير دينكم وملّتكم في قول أكثر المفسّرين ، قاله ابن عباس وأبو موسى الأشعري ، وهو قول سعيد بن المسيّب وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد وعبيدة ، ثم اختلف هؤلاء في حكم الآية فقال النخعي وجماعة : هي منسوخة وكانت شهادة أهل الذمّة مقبولة في الابتداء ثم نسخت ، وذهب
__________________
[٨٥٠] ـ أخرجه الترمذي ٣٠٥٩ والطبري ١٢٩٧١ من حديث ابن عباس عن تميم الداري مطوّلا وضعّفه الترمذي بقوله : غريب ، وليس إسناده بصحيح ، وأبو النضر تركه أهل الحديث ، وهو محمد بن السائب ا ه.
وأصل الخبر أخرجه البخاري ٢٧٨٠ وأبو داود ٣٦٠٦ والترمذي ٣٠٦٠ والدارقطني (٤ / ١٦٩) والواحدي ٤٢١.
والطبري ١٢٩٧٠ والطبراني (١٢ / ٧١) والبيهقي (١٠ / ٦٥) من حديث ابن عباس.
وورد من وجوه كثيرة مرسلا ومتصلا ، انظر «فتح القدير» ٨٧١ و ٨٧٢ للشوكاني بتخريجي ، والله الموفق.
__________________
(١) في المطبوع «زيد» والمثبت هو الصواب.