شهدوا لأنبيائك بالصدق.
والشهادة في لغة القرآن تقتضي حضور العقل والقلب ، كما في قول الحق جل جلاله في سورة ق :
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ»(١).
أي يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم ، ويشهدون بأذهان وعقول حاضرة متفطنة لما تسمع ، واذا استمع أحدهم الكلام وعاه ، وتعقله بعقله وتفهمه بلبه. ولقد علق الامام ابن القيم في كتابه «مدارج السالكين» على هذه الآية الكريمة فقال :
«جعل الله سبحانه كلامه ذكرى ، لا ينتفع بها الا من جمع هذه الامور الثلاثة :
أحدها : أن يكون له قلب حي واع ، فاذا فقد هذا القلب لم ينتفع بالذكرى.
الثاني : أن يصغي بسمعه ، فيميله كله نحو المخاطب ، فان لم يفعل لم ينتفع بكلامه.
الثالث : أن يحضر قلبه وذهنه عند المكلم له. وهو «الشهيد» أي الحاضر غير الغائب ، فان غاب قلبه ، وسافر في موضع آخر ، لم ينتفع بالخطاب.
وهذا كما أن المبصر لا يدرك حقيقة المرئي الا اذا كانت له قوة مبصرة ، وحدّق بها نحو المرئي ، ولم يكن قلبه مشغولا بغير ذلك ، فان
__________________
(١) سورة ق ، الآية ٣٧.