فقد القوة المبصرة ، أو لم يحدق نحو المرئي ، أو حدق نحوه ، ولكن قلبه كله في موضع آخر ، لم يدركه ، فكثيرا ما يمر بك انسان أو غيره ، وقلبك مشغول بغيره ، فلا تشعر بمروره ، فهذا الشأن يستدعي صحة القلب وحضوره وكمال الاصغاء».
ثم ذكر ابن القيم أن «المشاهدة» كما يقرر الهروي هي المسقطة للحجاب ، وان أهل الاستقامة يريدون من الشهادة أو المشاهدة قوة اليقين ، ومزيد العلم ، وارتفاع الحجب المانعة من ذلك ، ونستطيع بعد هذا أن نفهم أن الشهادة هي أن يكون الانسان حاضر القلب يقظ العقل شفاف الروح ، وكأنه يستجيب لداعي الخير بحسه ونفسه ، وعقله وقلبه ، وروحه ووجدانه.
والشهادة التي تعد فضيلة من فضائل الاسلام ، وخلقا من أخلاق القرآن ، هي تلك الصفة التي تدفع صاحبها الحاضر القلب ، اليقظ العقل ، الشفاف الروح ، الى الابتعاد عن الآثام والسيئات ، والى التحصن بالحسنات والطاعات ، وبذلك يصبح أفضل من غيره من الضالين أو المقصرين ، وبذلك يصلح أن يكون شاهدا على غيره ، حيث لا يصلح لهذه الشهادة الا من شهد الحق فلزمه وخضع له ، وفاق غيره ايمانا وعملا وسلوكا وقولا.
وهذا المعنى القرآني للشهادة يرمز اليه كتاب الله عز شأنه حين يقول في سورة النساء :
«إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ، فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً»(١).
__________________
(١) سورة النساء ، الآيتان ٤٠ و ٤١.