البعث وقالوا : «ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا» بأنهم أخلدوا الى البهيمية ، وقضوا على استعدادهم بالحرمان من المزايا الروحية.
وتشهدون على الذين أفرطوا بالغلو في الدين الزاعمين أن الدين حبس للارواح ، وعقوبة لها ، فلا بد من اجتناب كل اللذات ، وتعذيب الاجساد والنفوس ، تشهدون على هؤلاء بأنهم انحرفوا عن جادة الاعتدال ... تشهدون على هؤلاء وهؤلاء ، وتسبقون الامم باعتدالكم وتوسطكم في الامور كلها ، ذلك بأن ما اهتديتم اليه هو الكمال الانساني الذي يستحق صاحبه أن يتحلى بفضيلة «الشهادة» التي تتضمن معنى السبق والقوامة الناشىء عن اجتناب السوء والتزام الخير والعدل ، لأن صاحب هذه الشهادة يعطي كل ذي حق حقه : يؤدي حقوق ربه ، وحقوق روحه ، وحقوق بدنه ، وحقوق الناس.
وما دام الرسول عليه الصلاة والسلام هو الاسوة الحسنة والقدوة الطيبة والمثل الاعلى لكم ، والنموذج الاكمل لمرتبة الوسط ، فانه سيكون عليكم شهيدا ، وأنتم الشهداء على غيركم ، وهو القاضي بين الناس فيمن اتبع سنته ، ومن ابتدع لنفسه تقاليد أخرى في الدين ، أو حذا حذو المبتدعين.
فكما تشهد هذه الأمة الوسط على الناس بسيرتها وحسن جمعها بين مطالب الروح ومطالب الجسد ، وتظهر الفرق بينها وبين غيرها من أهل الافراط أو التفريط ، يشهد لها الرسول بما وافقت فيه سنته ، وما كان لها من القدوة الحسنة فيه ، بأنها استقامت على الطريق ، والتزمت الصراط.
ولقد جاء في صحيح البخاري حديث يتعلق بموضوع الآية السابقة ، فعن أبي سعيد الخدري قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يدعى نوح عليهالسلام يوم القيامة ، فيقول : لبيك وسعديك يا رب. فيقول : هل بلغت؟. فيقول : نعم.