وقد فرقوا بين كلمتي «العياذ» و «اللياذ» فذكروا أن العياذ لدفع الشر ، واللياذ يكون لطلب جلب الخير ، ولذلك قال الشاعر :
يا من ألوذ به فيما أؤمله |
|
ومن أعوذ به مما أحاذره |
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره |
|
ولا يهيضون (١) عظما أنت جابره |
وتعوذ الانسان بالله فيه اقرار من العبد بأن علم الله أوسع من علمه ، ولذلك يلجأ اليه ويستعين به ، وفي هذا التعوذ ـ أيضا ـ تفويض الى الله ليقضي بالحق بين المتعوذ وخصمه الذي يتعوذ منه ، وفي التعوذ كذلك معنى الخضوع لله جل جلاله ، وعدم اغترار الانسان بقوته ، لأن الله أقوى وأقدر. ومن هنا قال بعض العلماء ان التعوذ عنوان صادق على امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء الى الله ، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك ، واستقبال الهداية بقلب طاهر ، وعقل واع ، وايمان ثابت ، ويقين وطيد.
وكلمة : «أعوذ بالله» يقولها الانسان في العادة وهو يعاني ضيقا شديدا من قبح تصرف ، أو سوء خلق ، أو قبح معاملة ، أو انحراف سلوك عند غيره ، وكأن الانسان لا يطيق احتمال هذا الضيق ، فهو يلجأ الى الله ليعينه على دفع هذا البلاء ، والصبر في مجال هذا الابتلاء.
ولقد أعطانا الامام الرازي تصويرا دقيقا مفصلا لفضيلة التعوذ والمعنى الاخلاقي فيه ، وبيان أنه لا يتم الا بعلم وحال وعمل ، على الوجه التالي :
«الاستعاذة لا تتم الا بعلم وحال وعمل. أما العلم فهو كون العبد عالما بكونه عاجزا عن جلب المنافع الدينية والدنيوية ، وعن دفع جميع
__________________
(١) يهيضون : هاض العظم كسره ، وانهاض : انكسر.