المضار الدينية والدنيوية ، وأن الله تعالى قادر على ايجاد جميع المنافع الدينية والدنيوية وعلى دفع جميع المضار الدينية والدنيوية ، قدرة لا يقدر أحد سواه على دفعها عنه.
فاذا حصل هذا العلم في القلب ، تولد عن هذا العلم حصول حالة في القلب ، وهي انكسار وتواضع ، ويعبّر عن تلك الحالة بالتضرع الى الله تعالى والخضوع له. ثم ان حصول تلك الحالة في القلب يوجب حصول صفة أخرى في القلب ، وصفة في اللسان. أما الصفة الحاصلة في القلب ، فهي أن يصير العبد مريدا لأن يصونه الله تعالى عن الآفات ، ويخصه بافاضة الخيرات والحسنات. وأما الصفة التي في اللسان فهي أن يصير العبد طالبا لهذا المعنى بلسانه من الله تعالى ، وذلك الطلب هو الاستعاذة ، وهو قوله : أعوذ بالله.
اذا عرفت ما ذكرنا يظهر لك أن الركن الاعظم في الاستعاذة هو علمه بالله ، وعلمه بنفسه. أما علمه بالله فهو أن يعلم كونه سبحانه وتعالى عالما بجميع المعلومات ، فانه لو لم يكن الامر كذلك لجاز أن لا يكون الله عالما به ولا بأحواله ، فعلى هذا التقدير تكون الاستعاذة به عبثا. ولا بد ان يعلم كونه قادرا على جميع الممكنات ، والا فربما كان عاجزا عن تحصيل مراد العبد. ولا بد أن يعلم أيضا كونه جوادا مطلقا ، اذ لو كان البخل عليه جائزا ، لما كان في الاستعاذة فائدة. ولا بد أيضا وأن يعلم أنه لا يقدر أحد سوى الله تعالى على أن يعينه على مقاصده ، اذ لو جاز أن يكون غير الله يعينه على مقاصده لم تكن الرغبة قوية في الاستعاذة بالله.
وذلك لا يتم الا بالتوحيد المطلق ، وأعني بالتوحيد المطلق أن يعلم أن مدبر العالم واحد ، وأن يعلم أيضا أن العبد غير مستقل بأعمال نفسه ، اذ لو كان مستقلا بأعمال نفسه ، لم يكن في الاستعاذة بالغير فائدة.
فثبت ما ذكرنا ان العبد ـ ما لم يعرف عزة الربوبية وذلة العبودية ـ