لا يصح منه أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ومن الناس من يقول لا حاجة في هذا الذكر الى العلم بهذه المقدمات ، بل الانسان اذا جوّز كون الامر كذلك حسن منه أن يقول : أعوذ بالله ، على سبيل الاجمال. وهذا ضعيف جدا ، لأن ابراهيم عليهالسلام عاب أباه في قوله : «لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا».
فبتقدير أن لا يكون الاله عالما بكل المعلومات ، قادرا على جميع المقدورات ، كان سؤاله سؤالا لمن لا يسمع ولا يبصر ، وكان داخلا تحت ما جعله ابراهيم عليهالسلام عيبا على أبيه.
وأما علم العبد بحال نفسه فلا بد وأن يعلم عجزه وقصوره عن رعاية مصالح نفسه على سبيل التمام ، وأن يعلم أيضا أنه بتقدير أن يعلم تلك المصالح بحسب الكيفية والكمية ، لكنه لا يمكنه تحصيلها عند عدمها ، ولا ابقاؤها عند وجودها.
اذا عرفت هذا فتقول : انه اذا حصلت هذه العلوم في قلب العبد ، وصار مشاهدا لها ، متيقنا فيها ، وجب ان يحصل في قلبه تلك الحالة المسماة بالانكسار والخضوع ، وحينئذ يحصل في قلبه الطلب ، وفي لسانه اللفظ الدال على ذلك الطلب ، وذلك هو قوله : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
اذن ليس التعوذ بالمعنى الاخلاقي القرآني الذي نعنيه ، هو مجرد التلفظ بعبارة الاستعاذة ، بل ان الامر محتاج الى حالة عقلية وقلبية ونفسية تجعل صاحبها يفر من حوله وقوته الى حول الله وقوته ، ويتحصن دائما بحصن الله القوي المتين.
* * *
ولقد ذكرت مادة «التعوذ» أو «الاستعاذة» في القرآن المجيد