هكذا تتحدث اللغة. وتبين الامور في المجال الاخلاقي القرآني فضيلة من الفضائل التي دعا اليها القرآن ، وهدى لها الاسلام ، لانها تؤدي الى السير على بصيرة ، والسلوك باستقامة ، والتصرف بحكمة ، والحكم على الامور بقسط ، وتصون من التهور والاندفاع ، وشأن المؤمن أنه كيّس فطن ، وأنه لا يلدغ من جحر مرتين ، وأنه يقدر لرجله قبل الخطو موضعها ، كما عبّر القائل الحكيم.
ولقد طالب القرآن الكريم بالتبين في الأمور حين قال في سورة النساء :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا ، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ ، كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ، إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً»(١).
روي في سبب نزول هذه الآية الكريمة أن رجلا من بني سليم مرّ بنفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو يسوق غنما له فسلم عليهم ، فقالوا ظنا منهم انه مشرك : ما سلم علينا الا ليتعوذ منا ، فعمدوا اليه فقتلوه ، وأتوا بغنمه رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فنزلت الآية تعيب عليهم ما فعلوه وتنهاهم عنه.
وروي أن النبي صلوات الله وسلامه عليه بعث سرية فيها المقداد ، فلما أتوا القوم الاعداء ، وجدوهم قد تفرقوا ، وبقي منهم رجل له مال كثير. فقال : أشهد أن لا اله الا الله. فحسبوا ذلك خداعا ، فقتله المقداد ،
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ٩٤.