قال النبي : ففيهما فجاهد.
* * *
ثم يأتي حديث المجاهدة عند الصوفية ، وهو حديث يسير على طريقتهم التي انفردوا بها. وقد شغلوا أنفسهم كثيرا بموضوع المجاهدة ، وهي عندهم تحتاج الى قوة وصبر واخلاص قصد ، ولذلك نجد في كتاب «اللمع» هذا النص :
«ان طبقة من الصوفية غلطت في العبادات ، والمجاهدات ، ورياضات النفوس والمكابدات ، فلم تحكم في ذلك أسبابها ، ولم تضع الاشياء في مواضعها ، فانهزمت ونكصت على أعقابها القهقرى. وذلك أنهم حين سمعوا بمجاهدات المتقدمين ، وما نشر الله بذلك أعلامهم في خلقه ، بالثناء الجميل والقبول عند الناس واظهار الكرامات ، طمعت نفوسهم وتمنوا ، فتكلفوا شيئا من ذلك ، فلما طالت المدة ولم يصلوا الى مرادهم كسلوا ، فاذا دعاهم داعي العلم الى المجاهدة والعبادة ورياضة النفس ، فلا يقام لذلك عندهم وزن.
ولو جذبهم الحق جذبة الى خدمته ، وأرادهم بالمداومة على طاعته ، وأدركهم بلطفه وعنايته ، لازدادت رغباتهم ، وقويت نياتهم ، ودامت على ما كانت عليه نياتهم ، فلما لم يكونوا مرادين بذلك ـ لضعف دعائمهم وفساد قصدهم ـ توهموا أن ذلك فتور. وقد غلطوا في ذلك ، لأن الفتور ما تتروح به قلوب المجتهدين وقتا دون وقت ، ثم تعود الى الحال.
فأما ما وقع فيه هؤلاء فهو الكسل والتواني والاماني الكاذبة».
ويرى الصوفية أن الطريق الى المجاهدة عمادها وأساسها تطهير الباطن ليتزين الظاهر ، والحارث المحاسبي يقول : «من صحّ باطنه بالمراقبة والاخلاص ، زيّن الله ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة». ويقول منصور