ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر ، لا يطلع عليه أحد ، فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة ، وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة ، اذ قال صلىاللهعليهوسلم : (المؤمن مرآة المؤمن) أي يرى منه ما لا يرى من نفسه ، فيستفيد المرء بأخيه معرفة عيوب نفسه ، ولو انفرد لم يستفد. كما يستفيد بالمرآة الوقوف على عيوب صورته الظاهرة.
وقال الشافعي رضي الله عنه : من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. وقيل لمسعر : أتحب من يخبرك بعيوبك؟. فقال : ان نصحني فيما بيني وبينه فنعم ، وان قرّعني بين الملأ فلا.
وقد صدق فان النصح على الملأ فضيحة ، والله تعالى يعاتب المؤمن يوم القيامة تحت كنفه في ظل ستره ، فيوقفه على ذنوبه سرا ، وقد يدفع كتاب عمله الى الملائكة الذين يحفون به الى الجنة ، فاذا قاربوا باب الجنة أعطوه الكتاب مختوما ليقرأه.
وأما أهل المقت فينادون على رؤوس الاشهاد ، وتستنطق جوارحهم بفضائحهم ، فيزدادون بذلك خزيا وافتضاحا ، ونعوذ بالله من الخزي يوم العرض الأكبر».
ورسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ يحث أقوى الحث على أن تكون الدعوة الى الخير شعار المؤمنين المهتدين ، ويحرض على بث ما لدى الانسان من علم أو فقه ، ليكون ذلك حقا ميسورا يبلغ أهليه ومستحقيه ، ولذلك قال : «لا تمنعوا العلم أهله ، فان في ذلك فساد دينكم ، والتباس بصائركم» ثم تلا قوله تعالى في سورة البقرة :
«إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ