«وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(١).
أي بما أمر الله به من حق المعاشرة ، كتوفية حقها من المهر والنفقة ، وألا يعبس في وجهها ، وأن يكون لينا في القول ، لا فظا ولا غليظا ، ولا مظهرا ميلا الى غيرها.
وهكذا يمضي القرآن المجيد في الحديث عن «المعروف» حديثا يرفع قدره ويمجد ذكره ، مما يشعرنا بأن التحلي بالمعروف ، والامر بالمعروف ، والحرص على المعروف ، من مكارم الاخلاق وفضائل الخصال ، وما أكرم معدن الانسان حين نراه آخذا بالمعروف في أقواله وأعماله وأحواله ، داعيا الى المعروف بكلامه وسلوكه.
ولذلك حق للغزالي أن يقول : «ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الاعظم في الدين ، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين ، ولو طوى بساطه ، وأهمل علمه وعمله ، لتعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وعمت الفترة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، واستشرى الفساد ، واتسع الخرق ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، ولم بشعروا بالهلاك الا يوم التناد» (٢).
وقد كان الذي خفنا أن يكون ، فانا لله وانا اليه راجعون. اذ قد ندرس من هذا القطب عمله وعلمه ، وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه ، فاستولت على القلوب مداهنة الخلق ، وانمحت عنها مراقبة الخالق ، واسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم ، وعز على
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ١٩.
(٢) التناد : تفاعل من النداء ، يقال : تنادى القوم ، أي نادى بعضهم بعضا. ويوم التناد : يوم القيامة.