فلما رأى الله تعالى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم».
والسنة النبوية تحدثنا بأن النهي عن المنكر في بعض الاحوال يكون سببا في رفع صاحبه الى أعلى الدرجات ، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام : «خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ثم رجل قام الى إمام فأمره ونهاه في ذات الله تعالى فقتله على ذلك». ويقول أيضا : «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». وفي رواية أخرى لأبي داود : «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر».
* * *
والنهي عن المنكر له مراتب ، تبدأ بتنبيه من يفعل المنكر الى أن هذا منكر ، فقد يكون فاعل المنكر جاهلا أنه منكر ، ويكون هذا التنبيه بلطف وحكمة ، لأن التعريف بالخطأ مهمة حساسة ، فان الناهي قد تستولي عليه شهوة النقد والاعتراض ، أو حبّ الظهور بمظهر التعليم والتوصية ، ولذلك يقول الامام الغزالي عن الناصح الناهي :
«وهاهنا آفة عظيمة ينبغي أن يتوقاها ، فانها مهلكة ، وهي أن العالم يرى عند التعريف عزّ نفسه بالعلم ، وذلّ غيره بالجهل ، فربما يقصد بالتعريف الاذلال واظهار التمييز بشرف العلم ، واذلال صاحبه بالنسبة الى خسة الجهل ، فان كان الباعث هذا فهذا المنكر أقبح في نفسه من المنكر الذي يعترض عليه ، ومثال هذا المحتسب مثال من يخلّص غيره من النار باحراق نفسه ، وهو غاية الجهل ، وهذه مذلة عظيمة وغائلة هائلة ، وغرور للشيطان يتدلى بحبله كل انسان ، الا من عرّفه الله عيوب نفسه ، وفتح بصيرته بنور هدايته ، فان في الاحتكام على الغير لذة للنفس عظيمة من وجهين :