يا أمير المؤمنين ، حدثني مكحول عن زياد ، عن حارثة ، عن حبيب ابن مسلمة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا الى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا لم يتعمده ، فأتاه جبريل عليهالسلام فقال : يا محمد ، ان الله لم يبعثك جبارا ولا متكبرا ، فدعا النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : اقتص مني ، فقال الاعرابي : قد أحللتك (١) بأبي أنت وأمي ، وما كنت لأفعل ذلك أبدا ، ولو أتيت على نفسي ، فدعا له بخير (٢).
يا أمير المؤمنين ، رض نفسك لنفسك ، وخذ لها الأمان من ربك ، وارغب في جنة عرضها السموات والارض التي يقول فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لقيد (٣) قوس أحدكم من الجنة خير له من الدنيا وما فيها (٤).
يا أمير المؤمنين ، ان الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل اليك ، وكذا لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك.
يا أمير المؤمنين ، أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدّك : «ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها»(٥)؟ قال : الصغيرة التبسم ، والكبيرة الضحك (٦) ، فكيف بما عملته الايدي وحصدته الالسن؟!.
__________________
(١) أي جعلتك في حل مما فعلت ، فهو حلال لك.
(٢) روى هذا الحديث ابن أبي الدنيا.
(٣) القيد : المقدار.
(٤) الحديث رواه ابن أبي الدنيا ، ورواه البخاري من حديث أنس بلفظ «لقابه» وألقاب المقدار.
(٥) سورة الكهف ، الآية ٤٩.
(٦) في «زاد المسير» لابن الجوزي : «وقد روى عكرمة عن ابن عباس قال : الصغيرة التبسم ، والكبيرة القهقهة. وقد يتوهم أن المراد بذلك صغائر الذنوب وكبائرها ، وليس كذلك ، اذ ليس الضحك والتبسم مجردهما ـ