فأخذ أبو جعفر المنديل فوضعه على وجهه ، ثم بكى وانتحب حتى أبكاني.
ثم قلت :
يا أمير المؤمنين :
قد سأل جدك العباس النبي صلىاللهعليهوسلم امارة مكة ، أو الطائف ، أو اليمن ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : «يا عباس ، يا عم النبي ، نفس تحييها خير من امارة لا تحصيها» (١) ، نصيحة منه لعمه ، وشفقة عليه ، وأخبره أنه لا يغني عنه من الله شيئا ، اذ أوحي اليه :
«وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(٢).
فقال : يا عباس ويا صفية عمّي النبي ، ويا فاطمة بنت محمد ، اني لست أغني عنكم من الله شيئا ، ان لي عملي ، ولكم عملكم» (٣).
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا يقيم أمر الناس الا حصيف العقل ، أريب العقد ، لا يطلع منه على عورة ، ولا يخاف منه على حرة ، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وقال : الامراء أربعة ، فأمير قوي ، ظلف نفسه وعماله (٤) ، فذلك كالمجاهد في سبيل الله ، يد الله باسطة عليه بالرحمة ، وأمير فيه ضعف ، ظلف نفسه وأرتع (٥) عماله لضعفه ، فهو على شفا (٦) هلاك الا أن يرحمه
__________________
(١) روى هذا الحديث البيهقي.
(٢) سورة الشعراء ، الآية ٢١٤.
(٣) رواه البخاري وابن أبي الدنيا.
(٤) ظلف الانسان نفسه عن أهوائها أي منعها وصدها.
(٥) من رتع بمعنى أكل وشرب ما شاء في خصب ودعة.
(٦) الشفا : حرف كل شيء.