يدعوهم الى العزيز الغفار ، يدعوهم الى اله واحد تشهد آثاره في الوجود بوحدانيته ، وتنطق بدائع صنعته بقدرته وتقديره. يدعوهم اليه ليغفر لهم ، وهو القادر على ان يغفر ، الذي تفضل بالغفران : «الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ».
فالى أي شيء يدعونه؟ يدعونه للكفر بالله ، عن طريق اشراك ما لا علم له به من مدعيات وأوهام وألغاز.
ويقرر من غير شك ولا ريبة أن هؤلاء الشركاء ليس لهم من الامر شيء ، وليس لهم شأن لا في دنيا ولا في آخرة ، وأن المراد لله وحده ، وأن المسرفين المتجاوزين للحد في الادعاء سيكونون أهل النار.
«لا جرم أن ما تدعونني اليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ، وان مردنا الى الله ، وأن المسرفين هم أصحاب النار».
وماذا يبقى بعد هذا البيان الواضح الشامل للحقائق الرئيسية في العقيدة ، وقد جهر بها الرجل في مواجهة فرعون وملئه بلا تردد ولا تلعثم ، بعد ما كان يكتم ايمانه ، فأعلن عنه هذا الاعلان؟. لا يبقى الا أن يفوض أمره الى الله ، وقد قال كلمته ، وأراح ضميره ، مهددا اياهم بأنهم سيذكرون كلمته هذه في موقف لا تنفع فيه الذكرى ، والامر كله لله : فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري الى الله ، ان الله بصير بالعباد».
وينتهي الجدل والحوار ، وقد سجل مؤمن آل فرعون كلمته الحق خالدة في ضمير الزمان»!!.
* * *
ويرى الامام الهروي أن التفويض أوسع معنى من التوكل ، فان التوكل ـ كما يعبّر ـ بعد وقوع السبب ، والتفويض قبل وقوعه وبعده ، وهو عين الاستسلام ، والتوكل شعبة منه.