ولكن الامام ابن القيم يخالفه في الرأي ، ويرى أن التوكل فوق التفويض ، وأجل منه وأرفع ، ولذلك تكرر الامر بالتوكل في القرآن ، وأخبر القرآن أن التوكل صفة خاصة برسول الله وأوليائه وصفوة المؤمنين ، وسمى الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام «المتوكل» كما روى البخاري عن ابن عمر : «قرأت في التوراة صفة النبي صلىاللهعليهوسلم : محمد رسول الله ، سميته المتوكل ...».
وأخبر النبي عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، أنهم «أهل مقام التوكل».
ولذلك يعد ابن القيم التوكل أوسع من التفويض ، وأعلى وأرفع.
ويعلق ابن القيم على عبارة الهروي : «فان التوكل بعد وقوع السبب ، والتفويض قبل وقوعه وبعده» بقوله : «يعني بالسبب : الاكتساب ، فالمفوض قد فوض أمره الى الله قبل اكتسابه وبعده. والمتوكل قد قام بالسبب ، وتوكل فيه على الله ، فصار التفويض أوسع.
فيقال : والتوكل قد يكون قبل السبب ومعه وبعده ، فيتوكل على الله أن يقيمه في سبب يوصله الى مطلوبه ، فاذا قام به توكل على الله حال مباشرته ، فاذا أتمه توكل على الله في حصول ثمراته ، فيتوكل على الله قبله ومعه وبعده.
فعلى هذا هو أوسع من التفويض على ما ذكر».
ولا يكتفي ابن القيم في مخالفة الهروي حول الفرق بين التوكل والتفويض بما سبق ، يل يعلق أيضا على قول الهروي على التفويض : «وهو عين الاستسلام». فيقرر أن معنى ذلك أن التفويض هو عين الانقياد بالكلية الى الحق سبحانه ، ولا يبالي أكان ما يقضي له الخير أم خلافه ، والمتوكل يتوكل على الله في مصالحه ، وبهذا يعلو مقام التفويض