على مقام التوكل.
ويرد ابن القيم على ذلك بأمرين :
أحدهما ان المفوض لا يفوض أمره الى الله الا لارادته أن يقضي له ما هو خير له في معاشه ومعاده ، وان كان المقضي له خلاف ما يظنه خيرا فهو راض به ، لأنه يعلم أنه خير له ، وان خفيت عليه جهة المصلحة فيه ، وهكذا حال المتوكل ، فهما في ذلك سواء ، بل المتوكل أرفع من المفوض ، لأن معه من عمل القلب ما ليس مع المفوض ، فان المفوض مفوض وزيادة ، فلا يستقيم مقام التوكل الا بالتفويض ، فانه اذا فوّض أمره اليه اعتمد بقلبه كله عليه بعد تفويضه.
ونظير هذا أن من فوض أمره الى رجل ، وجعل أمره اليه ، فانه يجد من نفسه ـ بعد تفويضه ـ اعتمادا خاصا ، وسكونا وطمأنينة الى المفوّض اليه ، أكثر مما كان قبل التفويض ، وهذه هي حقيقة التوكل.
والامر الثاني هو أن أهم مصالح المتوكل حصول مراضي محبوبه ومحابّه ، فهو يتوكل عليه في تحصيلها له ، فأي مصلحة أعظم من هذه؟. وأما التفويض فهو تفويض حاجات العبد المعيشية وأسبابها الى الله ، فانه لا يفوض اليه محابه ، والمتوكل يتوكل عليه في محابه.
والوهم انما جاء من ظن الظان أن التوكل مقصور على معلوم الرزق ، وقوة البدن ، وصحة الجسم ، ولا ريب أن هذا التوكل ناقص بالنسبة الى التوكل في اقامة الدين والدعوة الى الله عزوجل.
وابن القيم حين يقارن بين التوكل والتفويض ، لا يريد ان يبخس فضيلة التفويض شيئا من مكانتها العالية لأنه يصف المفوض بأنه يتبرأ من الحول والقوة ، ويفوض الامر الى صاحبه وهو الله عزوجل ، من غير أن يقيمه مقام نفسه في مصالحه ، فالتفويض براءة وخروج من الحول والقوة ، وهو تسليم الامر كله الى مالكه.