امتعاض : «والمؤمن الكامل الايمان ينشرح صدره لحكم الرسول من أول وهلة لعلمه أنه الحق ، وأن الخير له فيه ، والسعادة في الاذعان له ، فاذا كان في ايمانه ضعف ما ضاق صدره عند الصدمة الاولى ، ثم يعود على نفسه بالذكرى ، وينحي عليها باللوم ، حتى تخشع وتنشرح بنور الايمان ، وايثار الحق الذي حكم به الرسول صلىاللهعليهوسلم على الهوى».
والامر الثالث التسليم والانقياد بالفعل ، وما كل من يعتقد حقية الحكم ، ولا يجد في نفسه ضيقا منه ، ينقاد له فعلا ، وينفذه طوعا.
ويصور الامام محمد عبده معنى الآية السابقة بقوله : «لا وربك لا يكونون مؤمنين حتى يكونوا موقنين في قلوبهم ، مذعنين في بواطنهم ، ولا يكونون كذلك حتى يحكّموك فيما شجر واختلط بينهم من الحقوق. ثم بعد أن تحكم بينهم لا يجدوا في أنفسهم الضيق الذي يحصل للمحكوم عليه ، اذا لم يكن خاضعا للحكم في قلبه ، فان الحرج انما يلازم قلب من لم يخضع ، ذلك بأن المؤمن لا ينازع أحدا في شيء الا بما عنده من شبهة الحق ، فاذا كان كل من الخصمين يرضى بالحق متى عرفه ، وزالت الشبهة عنه كما هو شأن المؤمن ، فحكم الرسول يرضيهما ظاهرا وباطنا ، لأنه أعدل من يحكم بالحق».
وكأن الاستاذ الامام قد نظر في كلامه هذا الى ما ذكره الامام ابن القيم في «مدارج السالكين» من أن التسليم في الآية الكريمة هو تسليم المؤمنين العارفين ، وهو تسليم لحكم الله الديني الامري ، حيث يقوم على ثلاث دعائم هي : التحكيم ، وسعة الصدر بانتفاء الحرج ، ثم التسليم بلا ضيق ولا تردد.
وهناك التسليم لحكم الله الكوني ، أي الرضا بقضاء الله جلت حكمته ، والرضا بالقضاء الديني الشرعي هو ـ كما في المدارج ـ هو أساس الاسلام وقاعدة الايمان ، فعلى العبد أن يكون راضيا به دون حرج