ودعوته ، وحكمه وامره ، وقوله : «حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» معناه أن تكون ارادة الانسان تابعة لأمر الله ، خاضعة له ، راضية به ، فلا يكون للانسان أمر بجوار أمر الله ، ولا ارادة بجوار ارادة الله ، ولا شهوة في غير أمر الله ، وهذا هو التسليم حق التسليم.
ولقد كان سيدنا رسول الله خير من تحقق بالتسليم لربه ، ولذلك كان يقول عند النوم ـ كما يروي البخاري ـ : «اللهم أسلمت نفسي اليك ، ووجهت وجهي اليك» أي استسلمت وانقدت ، وجعلت نفسي خاضعة لك ، تابعة لحكمك ، لا قدرة لي على تدبيرها ، ولا على جلب ما ينفعها اليها ، ولا على دفع ما يضرها عنها. وكان صلوات الله وسلامه عليه يدعو ربه فيقول : «اللهم أنت ربي ومليكي والهي ، لا اله الا أنت ، اليك وجهت وجهي». وكان يردد في تهجده بالليل ، «اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت».
ولقد عرف البصراء من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام مكانه التسليم لله ، فنوهوا به ووجهوا اليه ، فهذا هو الزهري مثلا يقول : «من الله عزوجل الرسالة ، وعلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم البلاغ ، وعلينا التسليم».
ويرينا الحارث المحاسبي الصورة الرائعة للتسليم فيقول : «التسليم هو الثبات عند نزول البلاء ، من غير تغير منه في الظاهر والباطن». ومن هنا نفهم أن التسليم ليس استسلاما أو خنوعا ، وليس تواكلا وتبطلا ، وليس تركا للاسباب أو العمل ، وانما هو اتجاه الى الله ، واعتصام بحماه ، واستعانة بهداه ، واستنفاد الوسع والطاقة في السعي والحركة وتحقيق ما يرضي الله.
وممن تكلموا في «التسليم» بشر بن الحارث الحافي ، وقد رووا عنه أنه كان في مجلسه يتحدث عن التسليم والرضى. فقال له بعض من