تطهرهم من طلب الأعواض عليها ، وتزكيهم عن ملاحظتهم اياها ، وتطهرهم بها من شح نفوسهم ، وتزكيهم بها بأن لا يتكاثروا بأموالهم ، فيروا عظيم منة الله تعالى عليهم بوجود التجرد منها.
وهكذا يمضي الصوفية في فنون وشجون ، فاذا هم يسيرون في مسالك تدق وتعمق على كثيرين ، وقد تستغلق أمام آخرين ، ولكل وجهة هو موليها.
أما بعد ، فما أجدر المؤمن البصير بأن يتخذ من فضيلة «التطهر» حصنا يحول بينه وبين الزلل والانحراف ... ما أجدره بأن يتطهر في عقيدته ، فيستمسك بعقيدة الصفاء والنقاء ، التي لا ريب فيها ولا التواء : عقيدة التوحيد التي لا يرتضي العقل السليم سواها :
«لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا»(١).
وأن يتطهر في عبادته ، فلا يرائي بها أو يخادع ، بل يبتغي بها وجه الحق سبحانه :
«فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ»(٢).
وأن يتطهر في كلامه ، فيجعله طيبا صادقا صادعا بالحق ، داعيا الى الخير ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر :
«إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»(٣).
وأن يتطهر في نظره ، فلا يملأ عينه من شيء غيره ، ولا يتطلع الى ما
__________________
(١) سورة الانبياء ، الآية ٢٢.
(٢) سورة الزمر ، الآية ٢.
(٣) سورة فاطر ، الآية ١٠.