القول والعمل ، وعلى اصابة الحق بالعلم والعقل ، ولذلك قيل في تعريف الحكمة : هي في الانسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات ، ولذلك ورد عن مجاهد : «الحكمة معرفة الحق والعمل به ، والاصابة في القول والعمل». وقال بعض المفسرين : الحكمة هي العلم الصحيح الذي يبعث الارادة الى العمل النافع ، ويقف بالعامل على الصراط المستقيم ، لما فيه من البصيرة وفقه الاحكام وأسرار المسائل.
ويفسر الامام محمد عبده قوله تعالى في سورة البقرة :
«يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ»(١).
فيذكر ان الحكمة هنا هي العلم الصحيح ، يكون صفة محكمة في النفس ، حاكمة على الارادة ، توجهها الى العمل ، ومتى كان العمل صادرا عن العلم الصحيح كان هو العمل الصالح الطيب النافع الموصل الى السعادة ، فتكون لفضيلة الحكمة منزلتها وثمرتها.
وكم من محصل لصور كثيرة من المعلومات ، خازن لها في رأسه ، ليعرضها في أوقات معلومة ، لا تفيده هذه الصور التي تسمى علما في التمييز بين الحقائق والاوهام ، ولا في التزييل بين الوسوسة والالهام ، لأنها لم تتمكن في النفس تمكنا يجعل لها سلطانا على الارادة ، وانما هي تصورات وخيالات تغيب عند العمل ، وتحضر عند المراء والجدل.
والتفسير الذي ترتضيه النفس لفضيلة الحكمة هو أنها فضيلة تمنع صاحبها من الجهل في القول والعمل ، وتصده عن سوء التصرف والمعاملة ، وتحذره رذيلة الاندفاع والعجلة ، وتعلمه أن يضع كل شيء في موضعه ،
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ٢٦٩.