النطق بها ، ولذلك يقول أبو بكر الوراق : «أول علامات الحكمة طول الصمت ، والكلام على قدر الحاجة». ومنها انزال الناس منازلهم ، واعطاؤهم حقوقهم ، يقول شاه الكرماني : «علامة الحكمة معرفة أقدار الناس». ومنها عدم الحرص على متاع الحياة الزائل ، وعدم الانشغال به. يقول أبو سليمان الداراني : «اذا ترك الحكيم الدنيا فقد استنار بنور الحكمة».
* * *
ولا شك في أن الحكمة بصورتها الرائعة قد تمثلت في رسل الله عليهم الصلاة والسلام ، وأكملهم في هذه الحكمة هو سيدنا ومولانا رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه ، وكأن هذا كان استجابة ربانية لدعاء ابراهيم واسماعيل حين قالا كما حكى القرآن في سورة البقرة :
«رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(١).
واذا كان هناك من يفسر الحكمة في هذه الآية بالسنة النبوية فان الامام محمد عبده يرى أن ذلك غير مسلّم على عمومه ، ويقرر أن الأصح أن يقال ان الحكمة هي في كل شيء معرفة سره وفائدته ، والمراد بها أسرار الأحكام الدينية والشرائع ومقاصدها ، وقد بين النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك بسيرته في المسلمين ، وما فيها من الفقه والدين ، والآية تشير الى أن تعليم الكتاب والحكمة لا يكفي في اصلاح الامم واسعادها ، بل لا بد أن
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ١٢٩.