قرية من القرى العاصية فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس. ويؤيده قراءة الرفع على البدل.
روي أن يونس عليهالسلام بعثه الله إلى نينوى ، من أرض الموصل وكانت مدينة عظيمة ، مسيرة ثلاثة أيام ، وهي قصبة بلاد الآشوريين ، بانيها آشور أو نينوس ابن نمرود ، وكلاهما من أولاد بني نوح ، وكانت من أقدم مدن العالم وأشهرها. والمؤرخون الوثنيون يصفونها بأن ارتفاع اسوارها كان مائة قدم ، ودائراتها ستون ميلا ، وهي محصنة بألف وخمسمائة قلعة ، طول الواحدة منهن مائتا قدم. قيل : أهلها كانوا يبلغون نحو ستمائة ألف. وخلفاء نمرود في هذه المدينة دأبوا على تحسينها ، وتوسيع بنائها وقويت شوكة الآشوريين في تلك الأيام حتى خضع لهم أكثر ممالك آسيا ، فتجبروا وتمردوا وكانوا كلما ظفروا في غاراتهم يستغرقون في النهب والمظالم ، فأرسل الله تعالى إليهم يونس عليهالسلام ، واسمه في العبرية (يونان) ، لينذرهم بأنهم لكفرهم واقترافهم الموبقات سيحل بهم العذاب بعد أربعين يوما فتنقلب بهم نينوى. ثم خرج يونس من بينهم فأصحر. فلما فقدوه ، وبلغ أميرهم قول يونس ، تخوفوا نزول العذاب الذي أنذروا به ، فقذف الله في قلب أميرهم الإيمان والتوبة ، فنزل عن عرشه ، وألقى عنه حلته ، والتف بمسح ، وجلس على التراب ، وآمن بالله ، وآمن أهل نينوى كلهم ، وأمر أن ينادى بنينوى بالصيام ، فلا يذوق أحد طعاما ولا شرابا ، ولا ترعى البهائم ولا تسقى ، وأن يلبس الناس المسوح ، صغيرهم وكبيرهم ، وأن يجتمعوا في صعيد واحد ، يجهرون بتسبيح الله. والإنابة إليه ، والاستغفار له ، والتوبة عما أسلفوا من الظلم والجرم ، وأن يحضروا أطفالهم وذويهم ومواشيهم معهم. ففعلوا وتضرعوا إلى الله واستكانوا لجلاله ، وسألوه أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيّهم. فلما علم منهم الصدق من قلوبهم ، والتوبة والندامة على ما مضى منهم ، كشف عنهم العذاب ورحمهم. وسيأتي في (سورة الصافات) زيادة في نبأ يونس عما هنا.
تنبيهات :
الأول : يروي بعض المفسرين هنا أن العذاب تدلى عليهم ، وغشيهم ، وجعل يدور على رؤوسهم ، وغامت السماء غيما أسود ، ونحو هذا. وليس في التنزيل بيان لهذا ، ولا في صحيح السنة ، وكأن من زعمه فهمه من لفظ (كَشَفْنا) ، ولا صراحة فيه.
قال القرطبي : معنى (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) أي العذاب الذي وعدهم يونس أنه ينزل بهم لا أنهم رأوه حينئذ ، فلا خصوصية ، أي كما روي عن قتادة أن