تلطف في السؤال فقال : (أَرِنِي) فأري في الغير وتعجب عزير عليهالسلام في القدرة ؛ ألا ترى أنه ختم قصته بالإيمان (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وختم قصة الخليل عليهالسلام بالعزة والحكمة فقال : (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ؛ لأن الخليل عليهالسلام سأل إظهار الحكمة ومشاهدة العزة ، وعزير عليهالسلام تعجب من القدرة ، فأجيب كل من حيث سأل.
وقوله تعالى : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) يجوز أن الله تعالى امتحن الخليل عليهالسلام بأنواع البلايا في ظاهره وباطنه ، أما ما في ظاهره ؛ فهو الذي أخبر الله تعالى في كتابه أنه ألقى في النار وعذبه بأيدي الكفار ، وأيضا ابتلاه بذبح الولد وما أشبهه.
وأما الذي في باطنه فهو ما أخبر الله من اضطراب قلبه في تحصيل إدراك محض الربوبية ، وكان يقول : هذا ربى مرة ، ويقول : (أَرِنِي) مرة ؛ لأنه كان يطلب من خاطره إثبات محض اليقين ، فأخبر الله تعالى عن جميع امتحانه مع خليله عليهالسلام في آية من كتابه قال : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) ، ومقصود الحق سبحانه وتعالى في ذلك أن بديع بواطن أنبيائه وأوليائه بخطرات نفوسهم حتى يحترقوا بفقدان الحبيب وتتقدس عن شوائب البشرية وإلقاء الشيطانية ، وأكثر ابتلاء الخواص هكذا كإبراهيم عليهالسلام وموسى عليهالسلام وعزير عليهالسلام ، محمد صلىاللهعليهوسلم.
وذكر الله تعالى أحوالهم جميعا في كتابه ، أما لموسى عليهالسلام ما روي عنه أنه كان يقول في مناجاته : «أي ربّ ، من متى أنت!».
وقال تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) ، وقال عليهالسلام : «إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في كلّ يوم سبعين مرة» (١).
هكذا ابتلاء خواص الأنبياء والأولياء لا بأس ؛ لأن الرب رب والعبد عبد ، وأيضا اسأل الخليل عليهالسلام مشاهدة الحق في لباس الخلق ، وأيضا أراد في سؤاله زيادة المعرفة في وسائط الآية لا من الاضطراب في الشك والتهمة.
وأيضا قال : (أَرِنِي) حقيقة بطنان الألوهية والربوبية ، وهذا من الخليل عليهالسلام غاية استغراقه في الاشتياق وغوصه في سر حبيبه وأوصاف قدرته ؛ لأن المحب أراد أن يحيط بحقيقة ذات المحبوب من جميع الوجوه وذلك من شرط الاتحاد.
__________________
(١) رواه مسلم (٢٧٠٢) ، وأحمد في مسنده (٤ / ٢٦٠) ، وأبو داود (٢ / ٨٤).