وتحصيل ذلك زوائد اليقين وحقائق مقام التمكين ، وأن الله تعالى منزه عن أن يدركه أحد من خلقه ؛ لأن ذاته تقدس وتعالى امتنع بعزة هويته عن مطالعة المخلوقات ، فأجاب الله تبارك وتعالى خليله وقال : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) إنك لم تدركني بشرائط سر القدم ، وأنت مخلوق أسير بنعوت الحدث ، قال : (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بعد رؤية جنابي في عز عظمتك وبقاء ربوبيتك ؛ لأن قلبي لا يسكن عن طلب مشاهدة جمال ربوبيتك ، وأراد عليهالسلام في سؤاله حيلة كي يخرج من عجز العبودية ويلتبس بصفاء الربوبية ، ولهذا السؤال أعظم من سؤال موسى عليهالسلام بأن موسى عليهالسلام سأل كشف المشاهدة ، والخليل عليهالسلام سأل حقيقة علم صاحب المشاهدة وصرف ربوبيته ، فإذا علم الحق سبحانه من الخليل عليهالسلام أنه أراد علوم الربوبية وحقائق صفات القدمية وكنه ذات السرمدية.
(قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أشار إلى طيور الباطن ، التي في نقص الجسم ، وهي أربعة من أطيار الغيب ، الأول : هو العقل ، والثاني : القلب ، والثالث : النفس ، والرابع : الروح ، أي : اذبح طير العقل بسكين المحبة على باب الملكوت ، واذبح طير القلب بسكين الشوق على جناب الجبروت ، واذبح طير النفس بسكين العشق في ميادين الفردانية ، واذبح طير الروح بسكين العجز في تيه عزة أسرار الوحدانية.
(ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) أي : اجعل العقل على جبل العظمة حتى يتراكم عليه أنوار سلطنة الربوبية فيصير موصوفا بها ليدركني بي بعد فنائه فيّ ، واجعل القلب على جبل الكبرياء حتى ألبسه سناء قدسي فيتيه في بيداء التفكر منعوتا بصرف نور المحبة ، واجعل النفس على جبل العزة حتى ألبسها نور العظمة لتصير مطمئنة عند جريان ربوبيتي عليها ، لا تنازعني في العبودية ولا تطلب أوصاف الربوبية ، واجعل الروح على جبل جمال الأزل حتى ألبسها نور النور وعز العز وقدس القدس ، لتكون منبسطة في السكر مطمئنة في الصحو عاشقة في الانبساط راسخة في الإيجاد ، فإذا كانوا ملتبسين بصفاتي يطيرون بأجنحة الربوبية في هواء الهوية ، ويرونني بلباس الديمومية والأزلية ، (ثُمَّ ادْعُهُنَ) بصوت سر العشق ، وزمزمة الشوق ، وجرس المحبة من بساتين القربة إلى عالم المعرفة ، (يَأْتِينَكَ سَعْياً) بسرعة جناح سلطان الربوبية إلى معدن العبودية بجمال الأحدية ، وتراني بعد جمعهن في مربع صدرك بعيون اللاهوتية ونور الملكوتية ، (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) بعزك عرفان هذه المعاني واطلاعك على صفاته القديمة حكيم في ظهوره بغرائب التجلي لأسرار باطنك.
وقال بعضهم : أراد أن يصير له علم اليقين ، وعين اليقين فعل الدوام يؤمن ، والإيمان