غيبي في علم اليقين وعين اليقين ، فقال : (بَلى) ولكن أسأل مشاهدة الغيب.
وقال بعضهم : هذا السؤال على شرط الأدب ، كأنه يقول : أقدرني على إحياء الموتى ، يدل عليه قوله : (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) والطمأنينة لا تكون ضد الشك ، قوله : (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) على هذه الشهوة والمنية.
وقيل : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) القلوب الميتة عنك بإحيائها بك.
قيل : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) أي : لست كنت لتستدل علينا بالشمس والقمر وأفعالنا ، فأسقطنا عنك علة الاستدلال ، وكنا دليلك علينا.
وقال بعضهم : اعلم أن الخليل مع خليله مختال في أموره حتى يجد قربا إلى خليله ، أو سماعا لكلامه حتى أن بعضهم قال :
وإنّي لأستنعس وما بي نعسة |
|
لعلّ خيالا منك يلقى خياليا |
وقال جعفر الصادق : شكّ في الكيفية ، وما شكّ في غيره ، قال النبي عليهالسلام :
«أنا أولى بالشك من إبراهيم» (١). وعن جعفر في قوله : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال : قلب أصحابي.
وقال ابن عطاء : أي إني إذا سألتك أجبني ، وإذا ذكرتك ذكرتني ، فإن بذكرك تطمئن القلوب.
وقال سهل بن عبد الله : سأل كشف غطاء العيان ليزداد بنور اليقين يقينا وتمكنا في حاله ، ألا تراه كيف أجاب عن لفظ الشك ببلى.
وقال بعضهم : إذا سكن العبد إلى ربه واطمأن إليه أظهر الله عليه من الكرامات ما أقلها إحياء الموتى ، قال الله تعالى لإبراهيم : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ).
وقيل : إنه طلب رؤية الحق سبحانه لكن بالرمز والإشارة فمنع منها بالإشارة بقوله تعالى : (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، وأن موسى إنما سأل الرؤية جهرا ، فقال : (أَرِنِي) فرد بالجهر صريحا فقال : (لَنْ تَرانِي).
وقيل : إنما طلب حياة قلبه ، فأشير عليه بأن ذلك بذبح هذه الطيور الأربع ، ومنها الإشارة في الطيور الأربع الطاوس ، فالإشارة إلى ذبحه هي زينة الدنيا وزهرتها ، والغراب بحرصه ، والديك بشقه ، والبط لطلب رزقه.
__________________
(١) رواه البخاري (٣١٩٢) ، ومسلم (١٥١).