قال السري : من تزيّن بعمله كانت حسناته سيئات ، فكيف من رأى لها قيمة ، أو طلب لها عوضا؟
ويقال : ينفقون ما ينفقون ، ثم لا يشهدون أفعالهم ولا أعمالهم.
وقيل : كيف تمنون بشيء تستقدرونه وتستحقرونه؟
وقال الجنيد : أعلمنا أن الذي يخلص له ثواب صدقته ، وينجز له ما وعده فيستحق الثواب على عمله ، من لا يمن بصدقة ، ولا يؤذي من تصدق عليه.
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ) القول المعروف : الإنصاف لأخيك عند رؤية مكروه منه ، الذي يهيجك بالغضب ، والمغفرة عفوك له عند قدرتك عليه خير من أن تعطيه شيئا وتؤذيه ، وأيضا : ردك السائل بقول جميل وسترك عليه ، مما ترى منه من قبيح خير من إعطائك بالمن أو وعدك مع المطل.
ويقال : إقرار منك مع الله لعجزك وجرمك ، وغفران الله تعالى على تلك المقالة خير من صدقة بالمن مشوبة ، بالأذى مصحوبة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) أي : أنفقوا لأرواحكم ما كسبتم بأشباحكم من المعاملات المقدسة عن شوائب الرياء والسمعة (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي : مما أخرجنا بمزن المعرفة عن سحاب المكاشفة ، ومزارع قلوبكم من الحكمة والعلم اللدني ، والصدق والإخلاص والرضا واليقين على المريدين لتخلصوا بذلك من مكائد الشيطان ، أي : أنفقوها لنجاة صوركم بهذه المعاني التي تخرج من بساتين صفاء أسراركم ، (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) أي : يعدكم إلى قطع الرجاء عن الله تعالى في إتيان نواله منه.
وأيضا : يعدكم إلى قلة الطمأنينة ، وكثرة الشك فيما وعد الله تعالى لعباده من نفائس الألطاف وجميع الأقسام التي هي سبب حياة العباد في الدنيا والآخرة.
وأيضا : يعدكم إلى ظنون شتى في الله تعالى ، وهذا من قلة عرفان الحق والجهل بسلطانه ؛ لأن لقاء العدو يهيج سر العبد إلى الشك في الله ، وفيما وعد لعباده ، ويلجئه إلى التحير حتى يظن أن الحق سبحانه وتعالى عاجز فقير ، كما قال اليهود : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) وهذا من وسوسة العدو ، وليس لهم بإحراز العلوم والخوف من المعدوم والجمع والمنع وكثرة التهمة ، ودفع الصدقة والفرار من القناعة ومن الغنى بالكفاية ، وغرهم بالشروع