في طلب الزيادة (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) (١) أي : البخل وسوء الظن في الله وحب الدنيا وبغض الموت ، وعمارة الضياع والعقار ، وطلب الزيادة وبغض الفقر والفقراء ومنع الزكاة ، وما أوجب الله تعالى عليهم من الحج والجهاد.
وزيّن لهم حب الرئاسة ، وطلب نسوان المسلمين لأجل الزنا ، وشرب الخمور وسماع المعازف ، والتكبر والتجبر على الضعفاء والمساكين والجور والظلم والعناد ، وقلة الإنصاف واتخاذ الأرباب لحفظ الأموال وأشباه ذلك من الأمور الرديئة الفاحشة.
(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) معرفته تطهر قلوب الأشحاء من أوساخ الشح والفاحشة ، وتحفظها عن الميل إلى حب الدنيا وما فيها وفضله مشاهدته وقربته ومعرفته وتوحيده وكشف أسراره لهؤلاء العباد الذين اصطفاهم لمحبته وخصائص مناجاته وخطابه وخدمته.
وأيضا المغفرة : طمأنينة النفس بكشف اليقين ، والفضل : الرضا بحكم الأزل.
وأيضا المغفرة : عن الكون ، والفضل : الوصول بلا وحشة البون.
وقيل : (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) بنسيان ما تعود به من فضله.
وقيل : إنه يعدكم الفقر في طلب فوق الكفاية فيكون عبده ، ومشتغلا به فيردك عن غنى الكفاية إلى طلب الزيادة ، وهو الفقر الحاضر.
وقيل : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) أي : الحرص ، والله يأمركم بالقناعة.
وقال أبو عثمان : الشيطان يعدكم الفقر على ترك الدنيا والإعراض عنها ، والله يعدكم على ذلك مغفرة منه وفضلا.
قال محمد بن علي : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) لفقره ، (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) وهو عمارة داره ، (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) وهو جزاء عمارة المآب ، وفضله وهو استغناؤه عن كل ما سواه.
قال بعضهم : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) تحذيرا للموحدين لا تفريقا للكافرين ؛ لأن الشيطان لا يدعو أحدا إلى معصيته ولا يزينها له حتى يعده الفقر فإذا خاف العبد الفقر دعاه إلى المعصية ، فإذا استحل المعصية دعاه إلى النفاق ، فإذا استحل النفاق دعاه إلى الكفر ، ولا يخاف الفقر إلا من نسي القسمة ولا ينسى القسمة من عرف الله الذي قسم لعباده ما أراد بمشيئته ، وأصل المعاصي إيقاد الشهوات وأصل النفاق التزيين للخلق ، وأصل الكفر منازعة
__________________
(١) قال التستري (١ / ٥٩) : قال : هو أن يأخذوا الشيء من غير حله ، ويضعوه في غير محله.