جملة حديث النبي صلىاللهعليهوسلم : «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام» (١).
وقال الثوري : تعرفهم بسيماهم يفرحون بفقرهم ، واستقامة أحوالهم عند موارد البلاء عليهم.
وقال أبو عثمان : تعرفهم بسيماهم بإيثار ما يملكون مع الحاجة إليه.
وقال الجنيد : كلّت ألسنتهم عن سؤال من يملك الملك ، فكيف من لا يملكها.
قال الجنيد : سئل عن الفقير الصادق متى يكون مستوجبا لدخول الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام؟ قال : إذا كان هذا الفقير معاملا لله بقلبه ، موافقا له في جميع أحواله منعا وعطاء بعد الفقر من الله نعمة عليه يخاف على زوالها ، كما يخاف الغني على زوال غناه ، وكان صابرا محتسبا مسرورا باختيار الله له الفقر صائنا لدينه كاتما لفقره يظهره الإياس من اليأس ، مستغنيا بربه في فقره ، كما قال الله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، فإذا كان الفقير بهذه الصفة دخل الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ، ويكفى يوم القيامة مؤنة الموقف.
وقال الأستاذ في قوله : (الَّذِينَ أُحْصِرُوا) : أي أخذ عليهم سلطان الحقيقة كل طريق لهم فلا لهم في الشرق مذهب ، ولا لهم في الغرب مشرب ، كيفما نظروا رأوا سرّ ذوقات التوحيد محدقة بهم :
كأنّ فجاج الأرض ضاقت برحبها |
|
عليّ فما تزداد طولا وعرضا |
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) من بلغ رؤية جمال مشاهدة الحق عشقه ، ومن شرط العشق أن يبذل العاشق وجوده وماله في جميع الأوقات دفعا للخطرات وخوفا أن يسقط عن درجات المشاهدات.
قال ابن عطاء : الوقت وقتان ، والحال حالان ، فالوقت ليل ونهار ، والحال سر وعلانية فإذا أنفق في الليل والنهار والسر والعلانية فقد قضى ما عليه إذ المحب لا يدخر عن حبيبه شيئا ، لا يفتر عن رضاه بحال.
قال عبد العزيز المكي في هذه الآية : أي : في ظلمة الليل حذرا من خجلة الأخذ والنهار بواسطة تجعل بينه وبين الأخذ وحذرا عن حياته منه سر صفائه ، وإخلاصا وعلانية أسوة واقتداء.
(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
__________________
(١) رواه الترمذي (٤ / ٥٧٨) ، والدارمي (٢ / ٤٣٧) ، وابن ماجه (٢ / ١٣٨٠).