وقيل : (الْحَيُ) الذي لا أول لحياته ، و (الْقَيُّومُ) الذي لا أمد لبقائه.
وقال الكتاني في حقيقة (الْحَيُ) : الذي به حياة كل حي ، ومن لم يحي به فهو ميت.
وقيل : (الْقَيُّومُ) من هو مزيل العلل عن ذاته بالزوال ، أو بالعبارة عنه وبالإشارة فلا يبلغ أحد شيئا من كنه معرفته ؛ لأنه لا يعلم أحد ما هو إلا هو.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي : إن الذين حجبوا عن مشاهدة الحق بنعت اليقين في رؤية شواهد الربوبية ، (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) لهم حرمان وجدان وصول مقامات أهل الهدايات.
وقال أبو سعيد الخرّاز : كفروا بإظهار كرامات الله على أوليائه ، (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) نفي الحق عن ذلك ، (وَاللهُ عَزِيزٌ) يعز أولياءه بولايته وإظهار الكرامات على من يشاء من عباده ، (ذُو انْتِقامٍ) من يجحد ذلك ، (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) يعز أولياءه بعز التوحيد ، وينتقم من أعدائه إنكارهم على أمنائه بألا يهديهم إلى ما آتاهم من أنواع فضله وكرمه.
قال الواسطي : (عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) عن أن يخالف إرادته أحد ، بل ينتقم بما يجري عليه أن يكون عقوبته مقابلة (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) لا يخفي عليه شيء ما في صدور أوليائه في الأرض من لهب الاشتياق ، ولا مما في قلوب أصفياء ملائكته تحت العرش من أزيز نيران الخوف ، وهذا التسلية من الله تعالى لأوليائه أنه يعلم أحوالهم في شوقه ، وإنه يجازيهم بمقاساتهم وممارستهم ابتلاءه ، وأيضا : كيف يخفى عليه شيء مما فطره من محدثات الكونين ، لكن هذا تخويف من الله لأعدائه أنذرهم بأنه علم ما في ضمائرهم من دنس الكفر ، وإنه يجازيهم بسوء أعمالهم.
وقال جعفر : لا يطلعن عليك ، فيرى في قلبك سواه فيمقتك.
وقيل فيه : لا يخفي عليه شيء ، فطالعوا همومكم أن تكون خالية عن الأهواء والشبهات ، فإنه لا يخفى عليه شيء.
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) (١) أي : الذي يلبسكم في الأرحام نور جمال القدرة ، ويزينكم بحسن مكث المشاهدة ليسر الناظر إذا نظر إلى وجوهكم بإدراك حسن إبداعه وإظهار جلال ربوبيته في وجوهكم ، كما قال تعالى لكليمه : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ
__________________
(١) هذا فيما لا يزال من حيث الخلقة ، وهو الذي قدّر أحوالكم في الأزل كيف شاء ، وهذا فيما لم يزل من حيث القضاء والقسمة ، تفسير القشيري (١ / ٢٧٨).