مَحَبَّةً مِنِّي) [طه : ٣٩] ، وأيضا (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) على استعداد الولاية والهداية ، وأيضا يصوركم ربانيين في علوم المعارف ، أو مطمئنين في كشف نور الحقائق أو المخبتين تحت أثقال المعاملات أو المحسنين في شرف المقامات ، كما كان في علم أزليته.
وقيل : يصوركم عالما به وعالما بصفاته وعالما بأوامره وجاهدا له ، فمن لم يصحبه حزن ما قدر عليه في وقت تصويره من السعادة والشقاوة فهو الجاهل به والآمن من مكره.
وقال محمد بن علي : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) من الأنوار والظلمات.
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله خلق الخلق في ظلمة ، وألقى عليهم من نوره ؛ فمن أصابه ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضلّ» (١).
وقال الحسين : خصوصية تصويره إياك أنه قوّمك فسواك وعدلك ، وأنزلك منزلة المخاطبين (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) المحكمات : التي لا تتبدل مما كانت في الأزل ، وهي آيات لا بدّ للمؤمنين من استعمال أوامرها ؛ لأنها في إصلاح الخلق وتثبيت إيمانهم بمنزلة الدواء للمرضى.
قال أبو عثمان : هي فاتحة الكتاب التي لا تجزي الصلاة إلا بها.
وقال محمد بن الفضل : هو سورة الإخلاص ؛ لأنه ليس فيها إلا التوحيد فقط ، (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) أي : مدار أوامر الكتاب ، وموئل أصول المعاملات ، ومنبت أشجار الإيمان في قلوب أهل المداناة بنعت المزيد ، ويهيج الأرواح في اقتباس المخاطبات ، (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) هي أوصاف التباس الصفات وظهور الذات في مزار الشواهد والآيات (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) أهل التقليد يخوضون في المتشابهات طلبا للتوحيد ، وهم بمعزل عن شهوده ؛ لأنهم أصحاب الوهم ، وصاحب الوهم لا يعرف حقيقة الأشياء المحدثة ، فكيف يعرف وجود الحق برسم الوهم ، وإذا كان يطلب العلوم المتشابهة لم يبلغ حقيقتها ويقع في الفتنة ، ولهذا قال عليهالسلام : «تفكروا في آلاء الله ، ولا تتفكروا في ذات الله» (٢).
ومن لا يعبر بحار حقائق اليقين ولم ينظر في مرآة التحقيق ، ورسم في المتشابهات يسقط عن رسوم إيمانه ، ولا يبلغ معاني المتشابهات ؛ لأنه مقام أهل العشق الذي يرون الحق في كل
__________________
(١) رواه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (٤ / ١٩٨).
(٢) رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (١ / ١٣٦).