وترزق العاشقين مقام الجمع والتفرقة ، وترزق الأحرار مقام التلوين والتمكين بغير حساب أكثر من أن يحصى عدد أسرارها ويعد حقائق أنوارها (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) أي : لا يصحب العارف الجاهل ولا المخلص المرائي ، ولا الصادق الكذاب ، ولا المؤمن المبتدع المنكر ، ولا المريد الصادق الفاتر المدعي ، ولا يحب أهل الحق أهل الباطل حتى ينالوا ببعضهم مقام حقيقة العبودية.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) أي : لا ينال من الله تعالى درجة أهل محبته وقربته ومعرفته ، (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) حذر أصفياءه بالفراق عن وصله بسبب محبة أعدائه ، وبهذا التخويف يربي خواص أحبته في قباب الشفقة وأسبل بهذا عليهم نقاب الغيرة حتى لا يراهم أحد سواه (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) مشفق بأوليائه وأهل طاعته بأن يسترهم عن أبصار الغفلة والجهلة وأكرمهم بصحبة أهل التوحيد والمعرفة ، وبسط لهم بساط الشريعة والحقيقة حتى يردوا موارد الأنبياء والرسل ، وشربوا من مناهل المقربين شراب الصفاء ، ولبسوا من نسج الكروبيين أثواب الوفاء.
وسئل أبو عثمان عن قوله : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) فقال : لا ينبسط شيء إلى مبتدع ؛ لفضل عشيرة ، ولا لقرابة نسب ، ولا نلقاه إلا ووجهه له كاره ، فإن فعل شيئا من ذلك فقد أحب من أبغضه الله ، وليس بولي الله من لا يوالي أولياء الله ، ولا يعادي أعداءه.
وقال ابن عطاء في قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) : إنّما يحذر نفسه من يعرفه ، فأمّا من لا يعرفه ؛ فإن هذا الخطاب زائل عنه.
وقال الواسطي : يحذركم الله نفسه في دعوى إتيان شيء من الطاعات ؛ إذ فيه جذب الربوبية.
وقال أيضا : ذلك ألا يأمن أحد أن يفعل به ما فعل بإبليس زينة بأنوار عصمته ، وهو عنده في حقائق لعنته ، وسبق عليه ما سبق منه إليه حين غاضبه فجأة بإظهار علته.
وقال أيضا : إنه لا يحذر نفسه من لا يعرفه ، وهذا خطاب الأكابر ، وأما الأصاغر فخطابهم : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) ، (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦].
وقال جعفر : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) هذا الخطاب للأكابر (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) خطاب للأصاغر.
وقال ابن عطاء : احذر سطوته ونقمته ؛ فإنّه عزيز قهار ، وابذل روحك له ، واعلم أنك