مقصر مع هذا كله ، وأنشد :
لا تعرض بنا فهذا بنان |
|
قد خضبناه بدم العشاق |
وقال الواسطي : يحذركم أن تثبتوا نفسه بنفوسكم وصفة القديمة عليكم بأحوالكم الخديعة ، وأن تنسوا الأزلية بالآخرية ، والربوبية بالعبودية ، فإنّ الأصل أتم من الفرج ، وإنّ العبودية إنما ظهرت بالربوبية.
وقال إبراهيم الخوّاص : علامة الحذر في القلب دوام المراقبة ، وعلامة المراقبة التفقد للأحوال النازلة.
وقال جعفر : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أن تشهد لنفسك بالصلاح ؛ لأنّ من كانت له سابقة ظهرت سابقته في خاتمته.
قال الأستاذ : الإشارة من قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) للعارفين ، ومن قوله : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) للمشتاقين ، فهؤلاء أصحاب العنف والفتوة ، وهؤلاء أصحاب التخفيف والسهولة.
وقيل : إغناؤهم بقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ثم أحياهم فأبقاهم بقوله : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ).
وقال ابن عطاء ـ رحمهالله : العبادة أجمع مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم ، وخصّ رحمة الرسول عليهالسلام موقوفة على المؤمنين دون من سواهم ، وهذا كقول إبراهيم عليهالسلام حين قال : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ) [البقرة : ١٢٦] فإنّه لا رازق في السماوات والأرضين غيره ، وسن في ربوبيته تعالى أن يحذر أولياءه وأعداءه ، فحذر أعداءه بما صدر من أفعاله القديمة من نكال الجحيم والحطمة ؛ لأنّها قهر بالواسطة بين الأفعال والصفات ، وحذّر أولياءه والمؤمنين خاصة صفاته وذاته ، فتحذير المؤمنين بالصفات كالحرمات والهجران عن نواله وكرامته ، وتحذير أوليائه بعزة نفسه ، وهم على طبقات شتى ، وجمعهم في وصول التوحيد ، وفرّقهم في منازل المقامات ، فحذّر التائبين بالسلطنة ، وحذّر الخائفين الوجلين بسطوات العظمة.
وحذّر المحبين والمشتاقين والعاشقين بالعزة والجبرية ، وحذّر العارفين والموحدين بصدمة الكبرياء والظلمات بحر الديمومية ، وبهذه الصفات يحذر أهل انبساط والبسط والرجاء لسقوط سوء الأدب عنهم في مدارج التوحيد والكرامة.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ