رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢) إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤))
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) أي : قل إن ادّعيتم محبة الله وأنتم صادقون فيما ادعيتم فاتبعوني فإنّي سيد المحبين ، ورئيس الصدّيقين ، ومقدم المرسلين ، وقدوة المريدين حتى أريكم مغيبات المهلكات ، وغوامض طريق المنجيات ، ودقائق أحكام المشاهدات ، وأسرار لمعات المداناة ، وأرشدكم إلى أحسن المعاملات ، وأفضل الطاعات ، وأعملكم حسن الآداب ، ونفائس الأخلاق ، زاد إلى المآب ؛ لأنّ قد كوشفت بأسرار المحبة ، وأنوار القربة ، وإن متابعتي حقيقة شكر محبة المحبوب ، وإذا شكرتم الله بمتابعتي زادكم الله محبته ومعرفته ، قال تعالى : (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، وقال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم : ٧].
وحقيقة المحبة عند العارفين والمحبين احتراق القلب بنيران الشوق ، وروح الروح بلذة العشق ، واستغراق الحواس في بحر الأنس ، وطهارة النفس بمياه القدس ، ورؤية الحبيب بعين الكل ، وغمض عين الكل عن الكونين ، وطيران السر في غيب ، وتخلّق المحب بخلق المحبوب ، وهذا أصل المحبة.
أما فرع المحبة فهو موافقة المحبوب في جميع ما يرضاه ، وتقبل بلائه بنعت الرضا ، والتسليم في قضائه وقدره بشرط الوفاء ومتابعة سنة المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وأما آداب أهل المحبة الانقطاع عن الشهوات واللذات ، والمسارعة في الخيرات ، والسكون في الخلوات والمراقبات ، واستنشاق نفخات الصفات ، والتواضع في المناجات ، والشروع في النوافل والعبادات ، حتى صاروا متصفين بصفات الحق ، ومنقادين بنوره بين الخلق.
قال الله تعالى : «لا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى كنت له سمعا ، وبصرا ، ولسانا ، ويدا» (١).
وصرف المحبة لا يكون إلا بعد أن يرى الروح الناطقة بعين السر مشاهدة الحق بنعت الجمال وحسن القدم لا بنعت الآلاء والنعمة ؛ لأنّ المحبة إذا كانت من تولد رؤية النعماء تكون محبة معلولة ، وحقيقة المحبة ما لا علة فيها من المحب ، والحبيب شيء دون المحبوب.
وقال أبو عمرو بن عثمان : محبة الله هي معرفته ، ودوام خشيته ، ودوام اشتغال القلب
__________________
(١) سبق تخريجه.