عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥))
قوله تعالى : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) أي : لا تصبحوا إلا أهاليكم من العارفين والربانيين الذين لا يظهرون أحوالهم عند أهل الدنيا بالرياء والسمعة ولا يغالطون الناس في معاني أهل الحقيقة فيقعون فيهم بالوقيعة والإنكار ويقصدون سفك دمائهم.
وقال بعضهم : لا تعاشروا إلا من يوافقكم على أحوالكم وطريقتكم.
وقال المرتعش : لا تفشوا أسرار الحق إلا إلى أهله.
وقال أبو بكر بن طاهر : لا تصدقوا ظهور كرامات الله على ما لم تتبينوا ولايته ورياضته ومحافظته على ظاهر الشريعة.
(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) الرحمة هاهنا : النبوة والولاية يختص بها من يشاء من صفوة خلقه ؛ لأن سبق عنايته قبل وجود المجاهد والمجاهدة والشواهد والبراهين والكون والعلل فمن أشرقه نور المشاهدة وملأ سمع سره من خصائص الخطاب ، وسكرت روحه من شراب الوصلة ، فأنى له النظر إلى نفسه ومعاملته ومجاهدته ؛ لأن من النقص صار مرادا وإن ذل ، ومحبوبا وإن اعتد ، والاختصاص الأصلي يقع على ثلاثة أحوال : الأول : هو مكاشفة غيب الملكوت ، والثاني : يقع على مشاهدة الجبروت ، والثالث : يقع على مدارج المعرفة والتوحيد ، وهو أعلى وأجل ؛ لأن فيهما السكر والبسط والصحو والانبساط والإيجاب والأنانية والفردانية والحرية والاتصاف بالربوبية ، ولهذه أصل حقائق التمكين وتحقيق التوحيد.
وقال أبو عثمان : أمهل القول ليبقى معه رجاء الراجي وخوف الخائف.
وقال بعضهم : أزال العلل في العطايا والنفوس عن ملاحظات المجاهدات فاقطعهم عن الشواهد والموارد.
وقال سهل : من نال الهداية والقربة نالهما بربه لا بنفسه.
وقال الواسطي : ارتفعت العلل في العطايا وفيما أظهر من النعوت والخفايا ، وفتر النفوس عن مطالعات المجاهدات ، وكيف يتوسل المتوحد بالوسائل من أعمال البر بعد قوله : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) (١) وأيقن بأن ليس إليه طريق بالشواهد والموارد والعوائق.
__________________
(١) يقال خصه بالشيء واختصه به إذا أفرده به دون غيره ومفعول من يشاء محذوف ، والرحمة النبوة والوحي والحكمة والنصرة. والمعنى يفرد برحمته من يشاء إفراده بها ويجعلها مقصورة عليه لاستحقاقه الذاتي