عرفني ؛ فقد عرف الحق» (١) ؛ لأن عليه كسوة الربوبية ، ويبرز من جمال وجهه نور جمال مشاهدة الحق ، والإشارة في ميثاق الحق مع الأنبياء الحبيبة ، لئلا يغيروه ؛ لأن العشاق يغير بعضهم بعضا ، والغيرة من لوازم العشق ، وأنها من صفة الحق سبحانه من تهمة البشر ، وانظر شأن موسي عليهالسلام وغيرته على سيد الأنبياء محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومقصود الحق من الميثاق صون أسرار أنبيائه عن صفات البشرية (فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) يحذرهم من اطلاعه عليهم في نصرة حبيبه والإيمان به ، وهذا غاية تشريف نبينا صلىاللهعليهوسلم من بين سائر الأنبياء ـ عليهمالسلام.
ثم بيّن أن من حمد سره عن محبته ، وزاغ قلبه عن نور سنته ، ومال ظاهره عن طريقته وشريعته بعد ظهور معجزته وظهور كراماته سقط عن مقامات المرسلين والنبيين ، وتشمر عن شوق التهديد لهم بهذا ، فقال : (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
وقال فارس : أخذ عهد حبيبه صلىاللهعليهوسلم على من كان قبله من الأنبياء بقوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) فأي شرف أشرف من أخذ الله عهده على من كان قبله ، ثم أمرهم بالشهادة له بالعهد ، وضمن أن يكون هو مع الشاهدين معهم ، والشاهدين عليهم ، وإنّما فعل ذلك لئلا يبقي أحدا ممن تقدم وتأخر إلا ، وعليه حجة من الله في إرساله رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم والإيمان به ، ولا يبقي لأحد بعد ذلك حجة في مخالفته.
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣) قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤))
قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) أي : أن أصل جميع المراد في طاعتي ، فمن أين يطلبون صفاء العيش ، وفي أكناف قربي لذائذ أنس العارفين ، وفي ألطاف وصلي حلاوة مشاهدة القدس للموحدين ، وفي أطراف سبل عنايتي نجاح الكرامات للصدّيقين ، ومن تمسك بحبال أمال نفسه فهو عن عين عبوديتي منحرف ، ومن زاغ عن عبادتي فهو عن مشاهدة وحدانيتي وفردانيتي منعزل ، ومن عزل عن مشاهدة العبودية ورؤية الربوبية فهو من جملة المبطلين المستدعين الذين تصرفون في غيابات جب الهوى ، ويهيمون في أودية العنا والجفا
__________________
(١) ذكره ابن عجيبة في «البحر المديد» (٥ / ١٠٠).