ومن طالع غير حقائق الإلوهية والأزلية ، فقد وقع في سراب الضلال ، ويتردد في أغلوطات الشياطين ، فإذا نزل ، نزل في فقر العناء ، وإذا سار ، سار في مغاليط النفس وغباء غبار البلاء.
وقال الواسطي : من تمسّك بغير الوحدانية بل بغير الواحد ، فهو بعيد من عين الحقيقة.
(وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إذا أظهر نفسه عن كبريائه في مرآة الكون بنعت الجبروت انقاد له جميع الأنام قهرا وجبرا ؛ لأنه يقتضي ظهور سلطان الوحدانية ، ووقوع الهيبة والإجلال في وجوه الخلائق بالأفعال (طَوْعاً وَكَرْهاً) أسلم له العارفون ببذل الأرواح (طَوْعاً) لما عاينوه بحسن جمال القدم وأسلم الجاهلون له ببذل النفوس (وَكَرْهاً) لما رأوا من عظم قهره في إظهار سلطنته وقهاريته ، وأيضا سخّر بعضهم بكشف جماله ، فأسلموا من مشقهم على مشاهدته طوعا ، وأعجز بعضهم برؤيتهم عظمته في لباس فعله وصنعه ، فأسلموا من هيبته عند انكشاف نور كبريائه عن الأفاق كرها ، فأكرم قوما بإسبال أنوار التجلي على أسرارهم ، حتى يكونوا في جريان قضائه وقدره بالطوع منقادين وأذّل قوما بإرسال هيبة القهر على ظاهرهم فيكونون عند بروز سطوة جباريته بالكره مذللين.
وقال الحسين : أحدهم عن شهود مثواهم بخصائص الاطلاع عليهم ، فمن طالع الذات أسلم طوعا ، ومن طالع الهيبة أسلم كرها.
قوله : (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ) أي : صدّقنا بعد أن رأيناه بعيون الأسرار وحقائق الأنوار ، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «لم أعبد ربّا لم أراه» (١) ، وأيضا (آمَنَّا بِاللهِ) أي : بتوفيقه آمنا بالله لا يجهدنا وسعينا.
(وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا ...) الآية إن من شرط المحبة قبول ما جاء به رسل الحبيب من عند الحبيب ، ولا فرق عنده بين المبشرين والمنذرين ، إذا كان المحب صادقا في حبه.
وافهم إن من غلب عليه محبة الله تعالى عاين بأبصار سره عالم الملكوت ، ويري غيب الحق من الجنة والنار والملائكة والأنبياء والأولياء والعرش والكرسي واللوح والقلم وأنوار الحضرة ، فإذا انكشف هذه المغيبات له ؛ فكيف لا يؤمن بها بعد رؤيتها ، إذا أخبر الله أسرارها بلسان أنبيائه وأوليائه عليه ، والدليل على ذلك قول النبي صلىاللهعليهوسلم لحارثة ، قال : «يا حارثة ، لكلّ حق حقيقة ؛ فما حقيقة إيمانك؟» فقال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتزاورون ، وأهل النار في
__________________
(١) حديث ذكره بعض الصوفية في كتبهم.