قرب القرب.
قال الأستاذ : من عبده عن استحقاق الوصلة في سابق حكمه متى يقربه من بساط الخدمة بفضله في وقته.
وقيل : من أقصاه حكم الأزل ، متى أدناه صدق العمل ، والله غالب على أمره (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ) ابتدأهم في حجاب المكر ، وختم أحوالهم بالاستدراج ، وهذا غاية الطرد والإبعاد عن بساط الوصال سوي أولهم وأخرهم ، وردّهم بعد كونهم في المعاملات إلى ما حكم عليهم في سابق علوم الأزليات ، خالدين فيها لا سبيل لهم إلى معرفة وجود جلاله وكمال قدرته ، فيزداد غيهم على غيهم ، ولا يخرجون من طبقات الهجران والحرمان إلى مشاهدة الرحمن (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) هم الذين سبق لهم حسن الإيمان بمشيئة الأزل ، ووقفوا بامتحانه في بحار الفتنة والشهوة ، فأدركتهم أنوار عناية الأزلية ، وأخلصتهم من أسجان النفوس ، وأصفاد الشياطين ، ونور عيون أسرارهم بكحل سناء العناية ، حتى يروا خبائث أعمالهم ، فتابوا منها وتركوها استحياء من ربهم ؛ حيث يروا مننه السابقة التي سبقت لهم بنعت العناية والرعاية والكفاية والهداية.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) أي : من كوشف له من مقامات الأول شيء وصدّق به ، وآمن بأحوالهم وكراماتهم ، ثم كذّبهم عن إيمانه بهم بسبب أو علة أو فراد من مجاهداتهم واجتهادهم وضيق رسومهم ، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم على إنكارهم ، وشروعهم في إيذاء الأولياء والمريدين وأهل الرغائب ، والإشارة فيه أنّ هؤلاء الذين وقعوا في عاهة الإنكار وبلية الجحود بعد شهودهم آثار الغيب في مشاهدة البيان ، وأنسوا به وألفوه ثمّ عميت أبصار قلوبهم عن مشاهدة الآخرة ، وصمت أذان أسرارهم عن خطاب الحق في بواطن الغيب ، وصدّت عقولهم بدين الجهالة ، وعصيت نفوسهم خالق الخلق بهجومها في غلطات الكبر والرعونة ، وخبثت أخلاقهم من شوائب الشهوات ، وكدرت أرواحهم من اقتحامهم في العجب والرياء والكبر ، وأبغضت الأولياء ، وساءت آدابهم بين يدي الله ، لم يقبل الله تعالى توبتهم ؛ لأنهم ذاقوا حلاوة الرياء والسمعة ، وأثروا حظوظ الدنيا على صحبة أهل المعرفة ، وركنوا إلى صحبة الأضداد ، ومالوا عن بساط الحرمة إلى عرصة المخالفة ، ومن هذه أحواله فتوبته لا تستقيم ، وأوبته لا تدوم لغلبة الشهوة على قلبه ، وكثرة الفترة على بدنه ، لا يلصق به نصيحة ، ولا آثرت فيه شفقة ، ولا ينتظم شمله ، بطرت نفوس هؤلاء بالشهوات ، واسودت قلوبهم من الشبهات ، جازاهم الله تعالى بإبعادهم عن حضرة الوصال ومشهد الجمال ، وهو قوله تعالى : (لَنْ تُقْبَلَ