تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) ضالون عن طريق الحقائق والمعارف والكواشف ، وأسبل الله على قلوبهم غطاء القهر حتى لا يرون أنوار عجائب كرامات أوليائه ، ولا يقومون عند الله يوم القيامة وزنا ، وإن كثرت صلواتهم وصيامهم وصدقاتهم ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) (١).
(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢))
قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) أهل هذه الصفة في إنفاقهم على أربع طبقات : طبقة منهم أهل المعاملات ، وهم على عشرة أقسام : قسم منهم التائبون وإنفاقهم ثلثه ترك الدنيا ، وترك الرياسة ، وترك النفس لله ، وفي الله ، وقسم منهم المتورعون ، وإنفاقهم ثلثه الاجتناب من المعاصي ، وترك ما سوي البلغة من الحلال ، وفطام النفس عن الشهوات ، وقسم منهم الزاهدون ، وإنفاقهم ثلثه مجاهدة النفس ، وتزكية الأعمال ، وذم الجوارح ، وقسم منه الفقراء وإنفاقهم ثلثه حفظ الأوقات ، وصيانة الفقر ، والتعفف في جميع الأمور ، وقسم منهم الأغنياء من هذه الطائفة ، وإنفاقهم ثلثه بذل الأموال بغير المنّة ، والإبداء والتواضع عند الفقراء ، وطلب الإخلاص في أنفسهم عند خطرات الرياء قسم منهم الصابرون ، وإنفاقهم ثلثه الخروج من الجزع عند الفاقة ، ونشاط القلب عند نزول البلاء ، وإيثار البلاء على الراحة ، وقسم منهم الشاكرون ، وإنفاقهم ثلثه قصر ألسنتهم عن الثناء مع عرفانهم نعم ربهم استحياء منه ، وحيرة في قلوبهم عن معرفة حقيقة المنعم والخروج من رسم الأعواض في بذل الأرواح ، وقسم منهم المتوكلون ، وإنفاقهم ثلثه استرسال النفوس لله عند نزول بلائه ، وبذل المهجة له طلبا لرضاه ، وضبط الخاطر من الخطرات عند جريان قضائه ، وقسم منهم الراضون ، وإنفاقهم ثلثه ترك اختيارهم في اختياره ، وترك تدبيرهم في مراده ، وصون أسرارهم عما دونه ، وقسم منهم الصادقون ، وإنفاقهم ثلثه إخلاص العبودية عن رؤية الخلق ، وإخلاص السر عن رعونة النفس ، وإخلاص التوحيد عن رسم الحدوثية ، وطبقة
__________________
(١) أي : بملء الأرض ذهبا ، فإن قيل نفى قبول الافتداء يوهم أن الكافر يملك يوم القيامة من الذهب ما يفتدى به وهو لا يملك فيه نقيرا ولا قطميرا فضلا عن أن يملك ملء الأرض ذهبا ، قلنا الكلام وارد على سبيل الفرض والتقدير فالذهب كناية من أعز الأشياء وكونه ملء الأرض كناية عن كونه في غاية الكثرة والتقدير لو أن الكافر يوم القيامة قدر على أعز الأشياء بالغا إلى غاية الكثرة وقدر على بذله لنيل أعز المطالب لا يقدر على أن يتوسل بذلك إلى تخليص نفسه من عذاب الله تعالى المقصود بيان أنهم آيسون من تخليص أنفسهم من العقاب. تفسير حقي (٢ / ٢٣٤).