التوكل قلت من ضيق الاشتغال بالمكاسب ، ومن دخل مقام الرضا فقد فاز من الفناء ومن دخل مقام الوفاء فقد ذاق طعم الصفاء.
ومن دخل مقام الاستقامة فإنه من تلوين الخاطر ، ومن دخل مقام الإخلاص أمن من آفات الرياء والسمعة.
ومن دخل مقام الصدق أمن من رعونات النفس ، ومن دخل مقام التسليم مثل الخليل فقد خرج من تنازع النفس وتدبيرها وإرادتها ، ولم يبق له اختيار وسكن في اختيار الحق ومراده منه ، وأمن من خوف فوت المراد ؛ لأن جميع الخوف من جهة فوت المراد فإذا لم يبق له مراد زال الخوف بأسره منه ولم يبق للخوف مساغ في وصفه ، ولا محالة أن دخول البيت لا يكون مستحسنا إلا بتسليم الأمور إلى رب البيت ، فإن من لم يكن بالتسليم موقوفا في ترك مراده فهو معارض للتقدير في جميع الأمور ، وحسن الأدب في دخول البيت التسليم بنعت الرضا دون المعارضة ونزاع البشرية.
ومن دخل مقام المراقبة من بعد الاستقامة من الخطرات الرديئة ، ومن دخل مقام الأنس فاءت عنه الوحشة ، وغربت عنه شره الفترة ، ومن دخل مقام الخوف أمات الله عنه خوف زوال المحبة ووقر بنور الهيبة عند جميع الخلق ، ومن دخل مقام الرجاء شعشعت عنه دارات الامتحان وترح عن افتنانها بحلاوة الدنيا وزهرتها لأن من دخل قلبه سلطان حقائق الرجاء أمن من نوازع البشرية وهواجس الطبيعة وقوارع النفسانية ، لأنّ نور الرجاء من بحر الأنس ونور الأنس من بحر القدس والقدس من صفاته علا كبرياوه وجلّت عظمته ، ومن التجأ إلى ظل سلطان الوحدانية أمن من غارات الشيطان ؛ لأنه دخل في قباب عصمته ، ومن كان في مقام كنف ستر جبروته فأنى يلحقه أيدي الشياطين.
قال الله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر : ٤٢] وأخبر عن عدوهم : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص : ٨٢ ، ٨٣] ومن دخل مقام المحبة أمن من الإبعاد والطرد والغضب ، ومن دخل مقام الشوق أمنت روحه من ارتباطها في عالم الحدثان ، ومن دخل مقام العشق صار متصفا بصفات الحق وخرج من أوصفات النفس ، ومن دخل مقام المعرفة أمن من عين النكرة ، ومن دخل مقام اليقين أمن من غبار الشك والريب ، ومن دخل سرادقات التوحيد جنحت عنه خواطر الشرك ؛ لأن حقيقة التوحيد الخروج عن عرضة النفس وسجن الوسواس وعلائق المعاهدات البشرية وقطع عوائق الإنسانية عن أوطان الذكر ، ومن دخل مقام الذكر اطمأن برؤية المذكور ، وخلص من ذكر ما سوى الحق ، وإذا خرج العبد عن نفسه وشهواته بلغ مقام صفاء العبودية وإذا بلغ