قال جعفر بن محمد في قوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) أي : من عرف الله لم يأنس بشيء سواه.
وقال النوري : من دخل قلبه سلطان الاطلاع كان آمنا من هواجس نفسه ، ووسواس الشيطان.
قال الواسطي : من دخله على شرائط الحقيقة كان آمنا من رعونات نفسه.
قال ابن عطاء : من دخله كان آمنا من عقابه ، ولله في الدنيا ثواب وعقاب ، فثوابه العافية ، وعقابه البلاء ، فالعافية أن يتولى عليك أمرك ، والبلاء أن يكلك إلى نفسك.
وقال جعفر : من دخل الإيمان قلبه كان آمنا من الكفر.
وقال الواسطي في موضع آخر : من جاوز قلبه الإيمان كان آمنا في رعونات نفسه.
وقال جعفر الصادق : من دخله على الصفة التي دخلها الأنبياء والأولياء والأصفياء صار آمنا من عذابه ، كما آمنوا (١).
وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، وأضاف الحد إلى نفسه لما فيه آثار الربوبية وحقائق العبودية ، وأيضا ألزم حق العبودية على عباده لإيتاء شكر الربوبية ، وأيضا أرشدهم إلى رؤية المقصود في الآيات والعلامات بوسيلة القصد إلى بيته ، وأيضا فرض حج البيت على الجمهور لحضور الخواص زائرين رب البيت ، وأيضا أراد أن يرى عباده عظمته وكبرياءه في رؤيتهم ذل العبودية ، والتواضع ، والتضرع على أعناقهم.
وأيضا أي : واجب الوجوب على عبادي القصد إلى مشاهدتي ببذل الأموال والنفوس والأرواح ، وترك الراحات ، والشهوات ، والأولاد ، والأرواح بنعت التجريد عن المكونات في قصدهم إلى بيته ، ويختص البيت لقصدهم رسما وحكما عن المشاهدة ؛ لأنه تعالى وتقدس ، منزّه عن الحلول والتشبيه ، يتجلى منه القاصدين إليه في لباس الملك ، والآيات لأنه تعالى قال : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) أخبر عن الآيات في نفس البيت ، وأشار إلى تجلي الصفات في نفس الآيات ، كما قال عليهالسلام : «جاء الله من سيناء ، واستعلن بساعير ، وأشرف من جبال فاران» (٢) ، يعني جبال مكة ، وعنى بالجبال ـ والله أعلم ـ ببيت الله الحرام ؛ لأنه أحجار اصطفاها الله تعالى في الأزل
__________________
(١) فكان في الجاهلية كل من فعل جريمة ، ثم لجأ إليه لا يهاج ولا يعاقب ما دام به ، وأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من الحدود ولا من القصاص ، وقال أبو حنيفة : الحكم باق ، وإن من وجب عليه حد أو قصاص فدخل الحرم لا يهاج ، ولكن يضيّق عليه ، فلا يطعم ولا يباع له حتى يخرج. انظر : البحر المديد (١ / ٣١٠).
(٢) سبق تخريجه.