روحه العزيز ـ بقوله : أنا الحق ، ومثاله في ذلك مثال شجرة موسى عليهالسلام ؛ حيث نطق الحق سبحانه منها بقوله : (إِنِّي أَنَا اللهُ) [القصص : ٣٠] ، نطق بصفته عن فعله.
ومن نظر إلى زينة الأموال التي هي زينة الملك صار حاله حال سليمان ـ صلوات الله عليه ـ لأنه كان ينظر إلى شرف جلاله بإعطاء الملك إياه ، ومن نظر إلى خضرة الدنيا وتابع شهواتها صار كالبلعام ، فمثله كمثل الكلب ، وأي الابتلاء أعظم من رؤية الملك ورؤية الربوبية في الكون ؛ لأنه محل الالتباس ، فمن كان محتجبا بهذين الوسيلتين عن رؤية الفردانية ، بقي في تهمة العشق خارجا عن نعوت الفردانية والوحدانية.
قال ابن زانيار : (لَتُبْلَوُنَ) أموالكم بجمعها ومنعها ، والتقصير في حقوق الله فيها ، (وَأَنْفُسِكُمْ) باتباع شهواتها وترك رياضتها ، وملازمة أسباب الدنيا ، وخلوها عن النظر في أمور المعاد.
وقيل : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ) بالاشتغال بها أخذا وإعطاء.
قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) إنّ الله تعالى أمر الصادقين الذين هم أصحاب إلهام الخاصة والمحدثين والمكلمين من المقربين ، بأن يظهروا بعض مقاماتهم التي بينهم وبين الله سبحانه ، وما يليق بفهم الطالبين ، ويعرفوا سنيات أحوال أهل الولاية في زمانهم للخلق ليتركوا بهم ويصلوا إلى الله ببركاتهم ، ولا يغار عليهم ، وذلك صفة أهل الكمال من علماء المعرفة ، ولا يكونوا مداهنين في كتمان مناقب الصدّيقين.
قيل : أخذ الله المواثيق على عامة أولياء الله به ألا تخفوا كرامات الله عندهم ، فمن لا يفتتن بذلك ، ولا يتخذه دعوى ، وإن يعلموا من قصدهم من المريدين الطريق إلى الحق.
وقوله تعالى : (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) هذا لمن لم يبلغ مقام الواصلين ، ولو وصل ما باعه بالحدثان ، وكيف يطيق ممن رآه أن يشتغل بسواه ، ولم يصلوا مقاصد القوم ، وبقوا في أول الطريق برهة من الدهر ، ولم يجدوا حلاوة الوصال ، فادّعوا عند الخلق بالبلاغة والكمال ، وهم علموا أنهم لم يشاهدوا مواهب الله وكراماته ، فباعوا ما ليس لهم ، ووقفوا في تغير الله ، وخجلوا بين يدي أولياء الله ؛ لأنهم عرفوا خيانتهم (١).
__________________
(١) أخبر أنهم أبرموا عهودهم ألا يزولوا عن وفائه ، ولكنهم نقضوا أسباب الذّمام بما صاروا إليه من الكفران ، ثم تبيّن أنّ ما اعتاضوا من ذهاب الدين من أعراض يسيرة لم يبارك لهم فيه. انظر : تفسير القشيري (١ / ٤٣٣).