(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ٧٥] ، وكشف جلاله للخليل عليهالسلام بواسطة الشمس والقمر والنجم ، حتى قال : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٦] ، وخاصية الأرض لموقع أقدام الصدّيقين والأنبياء والمرسلين ، وإشراق نوره للمراقبين والمشاهدين ؛ لأنها مقبوضة بطش الحق بقبضة العزة ، قوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧].
وأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم في معالم القدرة عن ظهور جلال الأزل من مواقف المقدسية بقوله : «جاء الله من سيناء ، واستعلن بساعير ، وأشرف من جبال فاران» (١).
وخصّ الليل ؛ لأنها محل مناجاة العارفين وكشوف عظمته ، فهو الأزل بنعت الهيبة للموحدين ، وخصّ النهار ؛ لأنه سبب فرحة المحبين ، وموضع بسط المشتاقين ، ورؤية جلاله للمبصرين ، الذين يرون الله في مرآة الكون بنور القدرة وسنا المعرفة ، وقفوا باب المعارف على هذه الشواهد ، ورأوا الشاهد قبل المشاهد.
كما قال بعضهم : ما نظرت إلى شيء إلا ورأيت الله فيه ، أرى الباء الحقيقة أنور فعله في السماوات والأرض والليل والنهار ، ثم أراهم فيها أنوار القدرة الخاصة الصفاتية ، وأرى ذاته تعالى في أنوار الصفة ، فعلل الحقائق بلفظ المجهول ، وأبهم على الأغيار أسرار معاني الخطاب ، بقوله الآيات وعني بالآيات ما ذكرنا.
أنشد بعضهم :
إنّ المودة لم تزل موصولة |
|
قرر بلادي وأكثر ودادي |
واحذر عداة الحيّ أن يلقوك |
|
وليظنّ العداة أنّك حادي |
هذا محل الالتباس ، وشبيه ذلك ما أخبر تعالى لمن حق فهم ظهور جلال عظمته في لباس القهر ، وفعل المجهول من المقصرين في نعوت الإرادة ؛ حيث قال : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [البقرة : ٢١٠] ، ومع هذا لو كنوا هؤلاء شاهدين على نعت رؤية الفردانية لم تخلهم إلى رؤية الصفة في الآيات ؛ لأنها وسائط تليق بمقام المحبة وإفراد القدم عن الحدوث ، مقام أهل التوحيد ؛ حيث يرونه به لا بغيره.
ألا ترى كيف خاطب الحق من انسلخ عن نعوت الحدث إلى نعوت الحدث إلى نعوت الأزل صلىاللهعليهوسلم حيث قال : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) [الفرقان : ٤٥] ، ولولا أنهم حجبوا بالعقول ما رفعهم إلى رؤية الحوادث بأن الله سبحانه خلق العقول لجولانها في الآيات بنعت التفكر والتذكر ، وخلق
__________________
(١) سبق تخريجه.