الأرواح لتنسم نفحات تجلي القدس من بساتين الأنس ، وأيضا من احتاج في معرفة الله سبحانه إلى رؤية الآيات ليثبت بها وجود الحق سبحانه ، فهو عامي حيث يعرف القديم بالمحدث ، وأن الأكوان تلاشت في أول باد بدأ من نور العظمة والكبرياء القديم.
قال الجنيد : كل من أثبته بعلّة فقد أثبت غيره ، لأن العلّة لا تصحب إلا معلولا جل الحق عن ذلك.
وقال الواسطي في هذه الآية : هو فرّق ما بين معرفة العامة ومعرفة المحققين ؛ لأن العامة اعتقد به بما يليق بطبعها ، والخواص اعتقدوا به بما يليق به ، وكل حال أثبته العموم جحدته الخصوص ، فهو عند الخاص منزّه عن كل ما وصفه به العامة ؛ لأن العام اعتقدوه من حيث العبودية ، والخاص اعتقدوه من حيث الربوبية.
وقال بعضهم : إنّ الخواص لم ينظروا إلى الكون ، والحوادث إلا لمشاهدة الآيات ، وما شاهدوا الآيات إلا لمشاهدة الحق فيها ، ومن شاهد الحق لم يمازج سريرته طعم الحدث.
وقال النصر آبادي : من لم يكن من أولي الألباب ، لم يكن له في النظر إلى السماوات والأرض اعتبار ، وأولو الألباب هم الناظرون إلى الخلق بعين الحق.
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) إنّ الله سبحانه لمّا خلق أرواح أهل المعارف أوجدها على كشف جماله ، فوقعت كينونة الأرواح على سواطع نور المشاهدة ، فباشرت أنوارها صميم الأرواح ، فعشقت بالله جماله وجلاله ، فلمّا اشترت بالأشباح بقي الذكر والعشق والمحبة معها عوض المشاهدة ، ففي كل نفس لا يخلو عن ذكر معاهد الأول ومشاهدة القديم بنعت الشوق والمحبة والعشق ، وذلك بغير اختيارها ذاكرة للمذكور ، متفكرة للغيبة والحضور ، شائقة عاشقة بنعت الهيجان والهيمان على جميع الأحوال ، مجذوبة بسلسلة الوصلة إلى جمال القدم ، مستغرقة في بحار المواجيد وأنوار الكواشف ، لأجل ذلك وصفها الله بدوام الذكر والفكر على نعت التسرمد ، وأخبر على قدر عقول الخلق عن أحوالهم بلفظ الذكر والفكر ، وذلك نعت قلوبهم وعقولهم وأبدانهم ، وأخفى شهود أرواحهم مشاهد القدس والأنس لطفا وإبقاء ومحبة وغيرة ، بقوله : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) قيامهم مقرون بذكر العظمة والكبرياء ، وقعودهم مقرون بذكر الجمال وحسن الأفضال ، واضطجاعهم مقرون بذكر البسط والانبساط ، والرفاهية في الشوق والمحبة ، فذكرهم على قدر كشوف الصفات ، فكشف العظمة هيجهم إلى ذكر الفناء إلى التوحيد ، وكشف الكبرياء هيجهم إلى ذكر الاضمحلال في التواضع والتفريد ، وكشف البهاء هيجهم إلى ذكر الخمود في الشهود ، وكشف القدرة هيجهم إلى ذكر العجز في العبودية عن إدراك