الربوبية ، وكشف الجمال هيجهم إلى الغيبة في ذكر الآباد ، وعلى ذلك كل صفة لها تجلي ، ولذلك التجلي مباشرة في قلوب الذاكرين ، ولكل ذكر له عمل في المقامات ، وله حقيقة وجد في الحالات (١).
ذكر الرضا من رضا الحق والتوكل من حب الله ، وذكر القهر من جبروت الله ، وذكر الأفضال من ملكوت الله ، وذكر الآلاء من ملك الله ، وعلى قدر ظهور الصفات لهم تسرمد الذكر الذي وافق الكشف من الأسماء والصفات والنعوت والذات.
سبحان من خصّ الأولياء بكشوف صفاته ، سبق ذكره لهم بهذه الفضائل والقربات قبل ذكرهم إياه إلى الآزال ، فذكره جعلهم ذاكرين ، ورحمته جعلتهم متفكرين في جلاله وعظمته ، ومن عاش منهم عن حقيقة القدم ، صار متصفا بعد الذكر بصفة المذكور ، وخرج من مقام الذكر لغيبته عن الذكر في رؤية الأزل والأبد ، فعند ذلك الذاكر والذكر والمذكور في باب الاتحاد واحد في شرط الفردانية ، والموحد الذاكر يفنى ويبقى الموحد لا غير ، كما لم يزل في الأزل.
قال جعفر : (يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً) في مشاهدات الربوبية ، و (وَقُعُوداً) في إقامة الخدمة (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) في رؤية الزلف.
وقال الواسطي : كل ذاكر على قدر مطالعة قلبه بذكره ، فمن طالع ملك الجلال ذكره بذلك ، ومن طالع ملك رحمته ذكره بذلك ، ومن طالع ملك معرفته ذكره على ذلك ، ومن طالع ملك سخطه وغضبه كان ذكره أهيب ، ومن طالع المذكور أغلق عليه باب الذكر.
قال النصر آبادي : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً) بقيوميته ، أفمن هو قائم على كل نفس ، (وَقُعُوداً) بمجالسة ، «أنا جليس من ذكرني» (٢) ، (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) على إشادة (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ).
قال بعضهم : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً) يذكرونه قائمون باتباع أوامره ، (وَقُعُوداً) أي : قعودا عن زواجره ونواهيه ، (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) أي : وعلى اجتنابهم مطالعات المخالفات بحال.
__________________
(١) استغرق الذكر جميع أوقاتهم ؛ فإن قاموا فبذكره ، وإن قعدوا أو ناموا أو سجدوا فجملة أحوالهم مستهلكة في حقائق الذكر ، فيقومون بحق ذكره ويقعدون عن إخلاف أمره ، ويقومون بصفاء الأحوال ويقعدون عن ملاحظتها والدعوى فيها. انظر : تفسير القشيري (١ / ٤٣٦).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (١ / ١٠٨) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (١ / ٤٥١).